في هذه المقابلة، تتحدث الدكتورة إيزيس غالي، رائدة الطب في مصر وطبيبة الأطفال والأستاذة الجامعية والباحثة في طب أمراض الغدد الصماء للأطفال، عن مسيرتها مع التعليم والعمل، والتحاقها بكلية البنات، ثم انتقالها لمدرسة الأورمان النموذجية، ثم مدرسة الأميرة فوقية. ثم التحقت بعد ذلك بكلية الطب بجامعة القاهرة وتخرجت منها في عام 1957. حصلت على دبلومة طب الأطفال، ثم سافرت بعد ذلك في بعثة إلى فرنسا لاستكمال دراستها. شاركت في العديد من المؤتمرات خارج مصر، وأسست وحدة الغدد الصماء والسكر بمستشفى أبو الريش وكانت رئيسة الجمعية المصرية للغدد الصماء والسكر، وعضوة في المجتمع الطبي الأوروبي الخاص بطب الأطفال.
ولدت إيزيس غالي في باريس، نظرا لتواجد والدها خريج كلية الهندسة هناك للحصول على درجة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة السوربون، حيث شغل فيما بعد منصب رئيس “المجمع المصري للثقافة العلمية”. وعاشت في أسرة تكونت من فتاتين وولدين. ونظرا لولادتها بباريس، أسماها والدها “إيزيس فرانس غالي”. عادت مع أسرتها من باريس وعمرها عامان فقط. عاشت طفولة سعيدة في ظل تفاهم ومحبة والديها لبعضهما. اهتم والدها بالتعليم بشكل كبير، وكان يرى أن تعليم الفتيات أهم من تعليم الأولاد. وكما تتذكر، “أنا والدي كان مهتم جدا بدراستنا لدرجة لا تتصوريها. شوفي في جيلنا كان مثلاً لا يسمح إننا نخرج مع بنات يتكلموا في الجواز أو دول مثلاً مش ناويين يكملوا تعليمهم، أقول له مثلاً أنا خرجت مع دول، يقولي مين قالك تخرجي مع دول، يزعل كأني عملت عملة كبيرة. طبعاً ساعتها ما كنتش فاهمة إن هو مش عاوز لأن زمان البنت ما كانتش بتتعلم أوي”. أما والدتها، فكانت ربة منزل لم تكمل تعليمها، ولكنها اهتمت بالثقافة وحضور المؤتمرات، واتفقت دائماً مع والدها في الاهتمام بالتعليم والدراسة وطرق التربية.
التحقت إيزيس غالي في مرحلة الروضة بمدرسة فرنسية، وبعدها التحقت بكلية البنات بالزمالك، ولكن قام والدها بنقلها من المدرسة التي اقتصر دورها على إعداد “سيدات مجتمع”، وذلك لرغبته في حصولها على الشهادة التوجيهية والالتحاق بكلية الطب. وكما تذكر، كانت المدارس العربية هي المدارس الجادة في ذاك الوقت: “أيامنا إحنا المدارس العربي هي اللي تدخل طب وهندسة وصيدلة وكده، وكانت مدارس جد جداً عشان كده نقلني”. انتقلت بالفعل لمدرسة الأورمان النموذجية، وتأثرت في هذه المرحلة بمدرّسة الجغرافيا التي صممت لهم نماذج لنهر النيل وشلالات أسوان داخل المدرسة. وكذلك مدرس اللغة العربية الذي علمهم بعض القواعد عن طريق الأغاني. انتقلت بعد ذلك لمدرسة الأميرة فوقية، لتحصل على الشهادة التوجيهية، وكانت الدراسة لمدة ست سنوات للبنات، بفارق سنة إضافية عن البنين وذلك لتعلم التدبير المنزلي. ولكن، كما تذكر، “جه طه حسين لغى الكلام الفارغ ده، وقال البنات زي الصبيان خمس سنين. الجيل اللي بعدي خمس سنين”. درس لها عدد من المدرسات والمدرسين المصريين، فيما عدا مدرسة اللغة الفرنسية، والتي كان فرنسية الجنسية ودرست لها حتى مرحلة التوجيهية، وأثرت فيها بشكل كبير. وكانت صديقتها المقربة خلال فترة الدراسة وما بعدها هي الدكتورة عفاف عطية سالم. واشتركت في المدرسة في عدد كبير من الأنشطة كالرحلات، والكشافة، والزهرات، والرياضة.
اهتمت كثيرا بالقراءة، خاصة روايات مصطفى لطفي المنفلوطي، وحرص والدها على جعل المكتبة جزءاً من البيت. أحبت الموسيقى أيضاً، وكان لديهم حجرة للموسيقى بالمنزل، وكانت تعزف العود في المرحلة الابتدائية، والكمان في المرحلة الثانوية. أحبت أيضاً الرياضة، وخاصة السباحة وركوب الدراجات.
التحقت بعد ذلك بكلية الطب بناء على رغبة والدها، وواجهتها مصاعب في البداية للتعود على المشرحة ومنظر الدماء، فكما تقول: “إعدادي كانت سهلة، إنما في أولى المشرحة وكده عييت، وأنا كمان كنت قبل ما أخش كلية طب وأشوف دم أدوخ… ولو حد جه إداني حقنة أعيط”. أرادت التحويل لكلية الصيدلة بناء على نصيحة أحد أصدقاء والدها، فقال لها والدها: “اعملي اللي إنتي عايزاه بس أنا هابقى زعلان”، وعليه لم تقم بالتحويل. استمتعت بعد ذلك بمرحلة الدراسة الجامعية، وأصبح لديها العديد من الأصدقاء والصديقات، وتذكر منهم الدكتور خيري السمرة الذي أصبح عميداً للكلية فيما بعد، والدكتور محمد شريف الذي أصبح وزيراً، والدكتور مجدي يعقوب الذي وصفته بأنه “كان عبقري”، ودكتور نبيل خطاب أستاذ الأشعة. أما عن أساتذتها، فتذكر منهم الدكتور الجبالي والدكتور عبد الخالق والدكتور سرور والدكتور محمد إبراهيم والدكتورة عواطف البدري والدكتورة نعمت هاشم والدكتورة نوال مختار والدكتورة أنيسة الحفني التي كانت مثلها الأعلى. انتهت من دراستها الجامعية، ثم حصلت على دبلومة في طب الأطفال ودبلومة أخرى في الأمراض الباطنة، وكان الحصول عليهما إجباري قبل البدء في إعداد رسالة الدكتوراه. بدأت في إعداد الرسالة بالمركز القومي للبحوث وكان مشرفاها الدكتور الديواني والدكتور ممدوح جبر، وتم امتحانها في الرسالة الأولى، ثم سافرت بعد ذلك في بعثة إلى مدينة ليون بفرنسا واستغرقت تماماً في دراستها وتخصصت في علم الغدد، وكما تقول: ” ليون دي أنا اتعلمت فيها جامد لأنها بلد مملة جداً، كنت مسمياها معسكر عمل، لو كنت رحت باريس ما كنتش اتعلمت أوي كده”. ثم عادت إلى مصر في عام 1967 بعد انتهاء البعثة والتي استغرقت 18 شهراً.
بعد عودتها، أسست وحدة الغدد الصماء والسكر بمستشفى أبو الريش، وانشغلت بقضية “منحنى نمو الطفل المصري”، وقامت بكتابة مشروع متكامل بالتعاون مع الدكتورة فوزية حلمي رفلة. تقدمت بمشروعها للجامعة والأكاديمية، ولكن قوبل مشروعها بالرفض لفترة طويلة، لكنها حاربت بشدة وسافرت أكثر من مرة للحصول على دعم لمشروعها وأبحاثها. في النهاية، تم قبول المشروع في رابطة الجامعات. وكانت إحدى الصعوبات التي مر بها المشروع أنه لاقى هجوماً شرساً من بعض الأهالي نظراً إلى اعتقادهم بأن هذا النظام يتضمن فحص الأعضاء الجنسية الخاصة بأبنائهم، وتم سحب المشروع على يد الوزير آنذاك حسين كامل بهاء الدين. تتذكر إيزيس غالي مثابرتها لعودة المشروع، والحملة الذي شنتها في الجرائد والمجلات بمساعدة أصدقائها الصحفيين ومنهم لطفي الخولي، وأحمد الجندي، وعبد الرحمن الأبنودي. كذلك قامت بمقابلة رئيس مجلس الشورى، ونقيب الأطباء، فعاد المشروع مرة أخرى.
آمنت إيزيس غالي بأهمية التعليم، وكما تقول: “أنا مش قادرة أحكم على اللي موجود النهاردة لأني مش مدرسة، إنما اللي أنا عاوزه أقوله كان لازم إن مصر نسبة الأمية اللي فيها تبقي صفر. مفيش أي سبب إن إحنا دلوقتي عندنا أمية لأن التعليم الإلزامي اللي هو التعليم الإجباري، ما هما الفرنساويين والسويد وكده مسميينه التعليم الإلزامي، حتى أنا طول عمري أقول ليه مسميينه إلزامي جاية من كلمة الإلزام. التعليم الإلزامي دخل مصر سنة 1933، فإزاي النهاردة يبقى فيه أمية وخصوصاً في البنات”. وافتخرت دائما بكونها من أوائل الفتيات اللاتي تعلمن والتحقن بالجامعة بشكل عام، وداخل عائلتها بشكل خاص. وترى أنه لولا تأثير والدها عليها، لدرست الموسيقى، لكنها لم تشعر بالندم على استمرارها في مجال الطب الذي تفوقت فيها وأحبته، وخاصة طب الأطفال الذي وهبته حياتها.
حلقة عن التقزم على قناة صحتي.
37498197(202)+
37497527(202)+
12 شارع سليمان أباظة، الدقي – الجيزة.