أماني نبيل عرفة مهندسة ورائدة أعمال مصرية، أقتحمت مجال هندسة الطاقة لتكون أول إمرأة تعمل كمقاولة في أعمال توريد وتركيب محطات الطاقة، وأول إمرأة صاحبة عمل خاص في توريدات الطاقة في جمهورية مصر العربية. في هذه المقابلة، تتحدث أماني عن مسيرة أكثر من عشرين عاما من التمييز في مجال العمل العام، بداية من نجاحها في ساحة عمل يسودها الرجال، ومجهودها في العمل الإرشادي لرائدات ورواد الأعمال من الشباب.
استهلت أماني المقابلة بالحديث عن دخولها مجال هندسة الطاقة. حصلت أماني على شهادتها الجامعية من قسم الانشاءات بكلية الهندسة، جامعة عين شمس، وعملت بمجال الهندسة الإنشائية لمدة عامين، ثم تلقت أول عرض عمل من إحدى شركات الغاز طبيعي عام 2000. ومنذ ذلك الوقت، تعمل أماني في هندسة الطاقة والغاز الطبيعي، وتقدم حلول فنية وتنفيذية لمشاريع داخل وخارج مصر. كما حصلت أماني على ماجستير في إدارة الأعمال، وعدد من المؤهلات منهم دبلومة في إدارة المشروعات، وشهادة اعتماد تنظيم المؤسسات وإدارة الشركات.
وعن تجربتها كامرأة عاملة في هندسة الطاقة، أكدت أماني أن البداية كانت صعبة، وتحدي كبير بلا شك. فعدد المهندسات في قطاع الطاقة محدود للغاية بسبب ظروف العمل الشاقة من ناحية، وبسبب الإقصاء المتعمد للنساء من ناحية أخرى. سردت أماني تجربتها مع الرفض والإقصاء الممارس ضدها في بيئة العمل حصريا لكونها امرأة وليس لأي سبب آخر. في بداية مسيرتها المهنية، شغلت وظيفة مهندسة في شركة كبرى في مجال الغاز الطبيعي، وأثبتت من الكفاءة والأهلية ما جعلها محل ثقة القيادة التنفيذية للشركة. لكن كان لبعض زملائها والمديرين رأي أخر: هناك دائما رجل يستطيع حل محلها مهما كانت مهاراتها، ولا يوجد ضرورة فعلية لوجود امرأة في هذا العمل، فاستبدالها يتيح للمهندس الرجل فرصة عمل، وهو “أولى” بالمرتب المجزي عنها كامرأة تعيش في ذلك الوقت في كنف والدها الثري.
تصاعد الرفض إلى “تطفيش” ومحاولات إقصاء عند ترقية أماني لتتقلد منصب قيادي في الشركة كمديرة عام لإدارة المهمات. جاء رد الفعل في صورة عنف مالي متمثلا في حرمانها من الأجر لفترة مؤقتة. وصفت أماني مثابرتها وإصرارها على الاستمرار تحت هذه الظروف كمثابة إعلان للجميع أن لها “اليد العليا” في تحديد مصيرها الوظيفي، والدفاع عن حقها في العمل القيادي. مقاومتها لم تضمن لها فقط الحفاظ على منصبها الجديد، بل حض القيادة التنفيذية على تعويضها ماديا عما تعرضت له من ظلم واضطهاد.
أوضحت أماني في المقابلة أن هيمنة الرجال على قطاعات الطاقة ظاهرة عالمية، تتجلى في سيادة الرجال وحدهم على المناصب القيادية. أضافت أماني أن تجربتها مع الرفض في مقر عملها في مصر كانت أقل وطأة مما تعرضت له خارج مصر من ممارسات اقصائية، كرد فعل مباشر على وجودها كامرأة شابة في منصب قيادي. حتى المجتمعات ذات الكيانات الاقتصادية القوية والصناعات المتطورة تعاني من غياب النساء عن أعمال الطاقة.
تحدثت أماني عن زيارتها لإتمام صفقة مع أحد المصانع العالمية في كوريا الجنوبية عام 2002، عندما رفض جميع العمال العمل تحت إدارة وإشراف امرأة، وهددوا بالتوقف الكامل عن العمل لاستحالة قبولهم “واحدة ست تتفرج عليهم” وتقيم جودة عملهم. لم يقدم القائمون على إدارة المصنع أي حل سوى اقتراح استبعاد أماني، المديرة الموكلة بفحص شروط التعاقد، من حرم المصنع. فبالنسبة لهم، النساء يعملن في القطاعات الخدمية فقط، لكن لا يعملن في مجال الهندسة، وقطعا لا يشغلن مناصب قيادية تسمح لهن بالإشراف على عمل الرجال. فما كان من أماني سوى مقاومة محولات اقصائها، وهددت بإلغاء الصفقة مع المصنع فورا. استكمل عمال المصنع العمل المطلوب تحت إشراف المديرة أماني عرفة.
تحدثت أماني أيضا عن سفرها للتعاقد مع شركة في المانيا، واستغرابها تجاه ذهول الجميع من منصبها الإداري وحجم المسؤوليات المسندة إليها كامرأة، وخصوصا تساؤلهم عن راتب الرجل في المنصب ذاته، واقتناعهم أن جنس الموظف هو معيار يتم تحديد الأجر على أساسه: فالمرأة إذا شغلت منصب مثل هذا، ليس من الممكن لها أن تحصل على نفس الأجر الذي يتقاضاه نظيرها الرجل ممن له نفس الخبرات والمؤهلات.
أشارت أماني أن حتى في أوائل الألفية الثانية كان ما زال استبعاد النساء وتطبيع السقف الزجاجي وعدم المساواة في الأجر بينهن وبين نظراؤهن من الرجال، والتمييز الرأسي ضدهن في فرص الترقي والقيادة ممارسات مشتركة وموحدة ضمنيا في قطاع الطاقة العالمي. أضافت أماني أن وصولها كامرأة للمناصب القيادية تطلب منها اضعاف الجهد والخبرات والمؤهلات مقارنة بالرجال الذين حصلوا على فرص القيادة والإدارة كخطوة طبيعية في مسيرتهم المهنية، بدون تشكيك في قدراتهم القيادية أو مطالبتهم بأثبات جدارة. لكن كان يجب عليها دائما اثبات أحقيتها في القيادة وفي المنصب الإداري.
كانت تلك أحد أهم الأسباب التي دفعت أماني لإنشاء عملها الخاص، وأطلقت شركة لمقاولات وتوريدات الطاقة عام 2005 كرائدة أعمال شابة عمرها 31 عاما. رغم الدعم القوي من أفراد أسرتها لعملها وتعليمها، كان قرارها مصدر “رعب” لهم. تخوف والدها نبع من سيطرة الرجال على المجال مما يعني استبعادها كامرأة من التحالفات والشراكات التجارية. أما تخوف الأم فنبع من ضغوط ورواسب مجتمعية عن تبعات استقلال المرأة وتمسكها بالمساواة مع الرجل في المجال العام، فابنتها الآنسة تجازف بنجاحها في وظيفة مستقرة ومجزية ماديا لتبدأ عمل خاص يتطلب مناطحة الرجال ومنافستهم بندية رأس برأس، وبالتالي إنهاء كل فرصها للزواج. أشارت أماني أن الضغط المجتمعي عليها كرائدة أعمال كان مصدره ثلاثة دوافع، الأول صغر سنها على حجم المنافسة في السوق التجاري وضخامة تمويل مشاريع الطاقة، والثاني اختيارها لساحة عمل لا يوجد سابقة لامرأة نجحت في اقتحامها، أما الدافع الثالث فاختيارها لعمل مستقل خاص بها لا يخضع لسلطة وإدارة أحد دونها.
تمكنت أماني على مدار السنين من إثبات نفسها في إدارة منظومة العمل بنفسها بجوانبه التقنية والإدارية، واستطاعت توسيع نطاق مشروعاتها ليشمل محطات الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية، حتى وصلت في عام 2017 لأن تكون صاحبة شركة خاصة لمقاولات وتوريدات الطاقة يمتد نشاطها لتنفيذ مشروعات في عدد من الدول العربية والأفريقية، ويتولى وكالة شركات أوروبية عالمية، وينافس في السوق التجاري والمناقصات الدولية.
أماني هي المرأة الوحيدة التي اخترقت ساحة توريدات الطاقة، وكانت في بداية مسيرتها المهنية تشعر بالفخر لكونها الوحيدة من النساء التي نجحت في تحقيق هذا التفرد، لكن مع الوقت أصبح تتساءل: لماذا لا يقبلن النساء على هذا المجال؟ كانت أماني عازمة على إنشاء عملها الخاص لكسر السقف الزجاجي الذي يعوق النساء عن الدخول في مجالات الطاقة و”فتح الباب” لنساء أخريات. لكن في الواقع، وحتى يومنا هذا لا تزال أماني المرأة الوحيدة العاملة في مقاولات الطاقة. رغم ذلك، شددت أماني أن تجربتها مع القطاع العالمي تؤكد أن وضع المرأة المصرية في مجال صناعات وأعمال الطاقة أفضل بكثير من نظيراتها في افريقيا واروبا.
مشاركة أماني في العمل العام لم تتوقف عند الريادة في أعمال الطاقة، لكن تظهر أيضا في تفانيها تجاه المسؤولية المجتمعية، عن طريق التزامها بتقديم الإرشاد التأهيلي والتدريبي لرواد ورائدات الأعمال من الشباب، ودعمها لممارسات ومؤسسات تمكين المرأة. تعاونت أماني مع جمعيات غير هادفة للربح في مجالات تمكين الشباب في كثير من الدول الأفريقية، بالإضافة لدورها في توفير فرص العمل والتدريب للشباب من ذوي الهمم في المصانع والشركات المختلفة، كعضوة في مجلس إدارة الجمعية المصرية الاتحادية للإعاقات الفكرية “رعاية”. تعاونت أماني مع منظمة اليونسكو لتقديم جلسات إرشادية لرائدات الأعمال في الكاميرون، كما إنها أيضا عضوة فعالة في عدد من الجمعيات والمنظمات النسائية، مثل “بوردرووم افريقا” وهي أكبر تحالف نسائي في افريقيا، ويضم النساء في مجالس الإدارات وفي المناصب الإدارية والتنفيذية. تشارك أماني في فعاليات هذا التحالف ضمن النساء الأكثر نفوذا في المنطقة لتبادل الخبرات وتحليل التحديات التي تواجه النساء في رحلتهم نحو قيادة الشركات.
37498197(202)+
37497527(202)+
12 شارع سليمان أباظة، الدقي – الجيزة.