loading...
شهيرة محرز

ارشيف التاريخ الشفوي شهيرة محرز

شهيرة محرز

صاحبة سلسة من المحلات لبيع المصنوعات التراثية المصرية

في هذه المقابلة تتحدث شهيرة محرز، خبيرة الفن الإسلامي ومصممة الأزياء وصاحبة سلسلة متاجر خاصة ببيع المصنوعات التراثية المصرية، عن رحلتها كواحدة من أوائل المهتمات بتاريخ وتراث مصر منذ عهود الفراعنة وحتى وقتنا الحالي. اهتمت شهيرة بالحفاظ على الحرف والفولكلور والأزياء التقليدية المصرية. اختارت في البداية دراسة الكيمياء بجامعة حلوان، إيماناً منها بقدرة النساء على خوض أي مجال. لكنها اكتشفت بمرور الوقت أن حبها واهتماماتها متعلقة بالتراث المصري وبالفولكلور. لهذا السبب غيرت مسارها وقررت أن تحصل على شهادة الماجستير في هذا المجال، ثم قررت البحث فيه بشكل أوسع، فبدأت بجمع أنواع مختلفة من الزيّ التقليدي من اثني عشرة منطقة بمصر.

ولدت شهيرة محرز في أسرة ميسورة الحال، تقول عنها: “عائلتي تعتبر إقطاعية، بس مش إقطاعية كبيرة، لكن إقطاعية، ومع ذلك كان في رفض للاحتلال”. وتتذكر والدها ووالدتها اللذان وصفتهما بأن لديهما وطنية شديدة، وتذكر أنه أثناء فترة الاحتلال الإنجليزي منعت والدتها دخول أي منتج إنجليزي للمنزل، كما تتذكر أحد الحوارات بينها وبين والدتها، فتقول: “أنا فاكرة وأنا صغيرة أمي وإحنا ماشيين من هنا كان في هنا بيت جدي أبو أبويا، ومن الناحية التانية بعديها عند المساحة بيت جدتي أم أمي. كنا بنمشيها يمكن قبل الثورة، كان عمري 6، 7 سنين. فأمي مرة وإحنا ماشيين لقينا في عسكري إنجليزي وقالت لي بصي العسكري ده لو اتعرض لنا مش هنعرف نأخذ حقنا منه، لأن بلدنا محتلة. في حاجة اسمها المحاكم المختلطة. المحاكم المختلطة دي بتحكم لصالح الناس اللي سارقين بلدنا مننا. إحنا ما لناش بلد. إحنا بلد محتلة”.

درست شهيرة في مدارس فرنسية، وكانت اللغة الفرنسية هي لغة الحوار في المنزل في كثير من الأحيان، ولكن حرصت أسرتها على وجود معلم دين يقوم بتحفيظها القرآن، نظراً لاهتمام الأسرة باللغة العربية، ومع ذلك لم تتمكن لفترات طويلة من إتقان اللغة العربية، وترى أن هذا المزيج خلق لديها مشاعر متناقضة ما بين الانتماء والاغتراب في ذات الوقت. وتتحدث عن أسفها لتراجع الاهتمام باللغة العربية في الوقت الحالي، فتقول: ” أنا حاسة بالمأساة اللي حاصلة دلوقتي. إن المدارس كلها بقيت الولاد فيها ما بيعرفوش فيها لغة عربية، والمشوار اللي جيلي عمله هم رجعوا ورا تاني، بمدارس أجنبية تانية، بمدارس تحسسك إن أنتي مواطنة درجة تانية”.

تحدثت أيضاً عن ثورة 1952 وتأثرها بها، وترى أن إحدى المميزات الكبرى للثورة هي تعليم جيلها، كذلك الاهتمام الذي نتج عنها بتعليم الفتيات وعملهن، حيث أصبح اعتمادهن الأساسي على أنفسهن وليس على أملاك أسرهن أو أزواجهن، وعن الثورة تقول: “أنا برضه كنت جيل الثورة. أبويا مات من الخوف من الثورة والقوانين الاشتراكية اللي كانت كل 23 يوليو الى 26 يوليو عبد الناصر يطلع على التيفزيون ويقر القوانين اللي كانوا بيسموها يوليو الاشتراكية. كان طبعاً الناس تقعد وتستني اسمها في الأبجدية، هل هتتحط عليهم حراسة، ولا هيتحرموا من حقوقهم المدنية، كان الضغط فظيع. كان أبويا مات من النزيف، 3 سنين ورابع سنة راح فيها. كنا كل 23 يوليو نروح المستشفى. فمع ذلك أنا كنت من الجيل المقتنع بمبادئ الثورة بس شايفة تطبيقها خطأ. من وأنا صغيرة شايفة إن تطبيقها خطأ لأن شايفة إن إحنا بنبيع أغاني، بنبيع عبد الحليم حافظ يعني الثورة بتتعمل بالأغاني مش بتتعمل بالتفعيل. وفي نفس الوقت كنت حاسة إن فيه نوع من أنواع سوء الإدارة للبلد، وما كنتش زعلانة إن أخذوا مننا أراضي، بس كنت زعلانة من تفتيت الملكية الزراعية لأني كنت متعلمة كويس وإنتي عمرك 20 سنة واخدة بالك إن الأرض اللي بتدار كألف فدان أو ألفين أو ثلاثة لو هتدار بخمسة فدادين 5 فدادين فأنتي ضيعتي البلد زراعياً، كانت باينة. فكنت بالتالي مش ناصرية”.

اختارت شهيرة دراسة الكيمياء في قسم العلوم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وترجع اختيارها للجامعة لعدم قدرتها على دخول الجامعات المصرية، حيث تكون الدراسة في مجملها باللغة العربية. وتتحدث عن اهتمام الجامعة الأمريكية باللغة العربية في ذلك الوقت، كما تذكر: “كان في واحد اسمه الدكتور نويهي الله يرحمه، كان دكتور عبقري، فكان ممكن يتنافس مع مدرسين الأدب الإنجليزي والفرنساوي”. وتذكر كيف حاولت هي تعليم نفسها اللغة العربية أيضاً. ولكن بعد دراستها للكيمياء، اكتشفت في نفسها الاهتمام بفكرة الهوية والانشغال بها، ولذلك اختارت الحصول على درجة الماجستير في الآثار الإسلامية من الجامعة الأمريكية. وكانت رغبتها بعد ذلك هي الحصول على درجة الدكتوراه من إنجلترا، وبالفعل بدأت في الدراسة في جامعة أكسفورد في عام 1974، ولكنها آثرت العودة إلى مصر والبدء في مشروع خاص بالحرف اليدوية، وذلك نظراً لرغبتها في التعرف على الريف المصري الذي انقطعت عنه منذ طفولتها. وقررت الاهتمام بالفولكور المصري والتعمق في دراسته.

عملت لفترة بالتدريس الحر في جامعة حلوان، ولكنها لم تستمر بها طويلاً. ونظرا لاهتمامها بجمع التراث، قررت فتح متجرها الخاص. وتتذكر أنها في تلك الفترة بحثت عن المعماري المصري البارز حسن فتحي ليصمم لها منزلها، وتتحدث عن تأثيره الكبير عليها فتقول: ” كان بني آدم جميل وساعدني جداً برضه لأنه ساعدني في التحام الشخصيتين، لأن من ناحية كانت ثقافتي فرنسية وغربية ومن ناحية تانية كان انتمائي مصري. فكنت حاسة بصراع فظيع، كنت حاسة إني للفرنسيين مصرية، وللمصريين إني فرنسية. فكنت حاسة إن دي كارثة. فلما اتعرفت عليه بالعكس قال لي “دي مش كارثة” دي، بيسموها إيه عكس كارثة باللغة العربية؟ دي ميزة… دي نعمة إن إنتى بتمتلكي حضارتين فممكن تتحركي من واحده للتانية زي ما أنتي عايزة”. وعن أثره أيضاً تقول: “اكتشفت من خلاله أن الهوية ما هياش بس موضوع شعر وكلام وسياسة. إن الهوية داخلة في تكوين الشخصية وإن الفنون ما هياش رفاهية، إن الفن مرتبط بالهوية ومرتبط باعتزاز النفس وإحساس البني آدم بالكرامة. وإن من غير كده فيه إحساس بالدونية”.

تحدثت شهيرة عن اهتمامها بالتراث والحضارة المصرية وما لمسته من مشكلات التأريخ لها، الذي تم في أغلبه على أيدي الأجانب على حد قولها، وكما تقول: “هيقول لك إحنا من أقدم الحضارات، لكن مش أقدم حضارة، يمكن الصين هي أقدم الحضارات أو بين النهرين. ده مش حقيقي. هم بيحسبوا تاريخنا من وقت الأسر الأولى. الأسر الأولى دي أسر بــَــنت أهرامات… عشان تبني هرم في الأسر الأولي لازم يبقي قدامك على الأقل 1000 سنة إذا ما كانش مثلاً 800 سنة. فتاريخ دلوقتي اللي بيتقال إن مصر تاريخها 10 آلاف سنة ويمكن أكتر، حتى لو تلاحظي إن أنا عشان ست مهتمة بالتراث، لو رحتي المتحف المصري هتلاقي إن كل الأشياء ما قبل الأسر أشياء في منتهى الإتقان وجودة الإنتاج. فمستحيل إنك تمسكي حتة جرانيت وتنحتيها عشان تعملي إناء مستدير بالضبط بالملّي ما تعرفيش تعمليه بالكمبيوتر، وتقولي لي إن إحنا تاريخنا 5 الأف سنة. مستحيل”.