تتحدث الدكتورة كوكب حفني ناصف، رائدة مهنة الطب في مصر في القرن العشرين، في هذا المقابلة عن رحلتها العلمية والمهنية، وكيف سافرت في بعثة لدراسة الطب في إنجلترا في عشرينيات القرن الماضي وبدأت العمل في مستشفى كتشنر في عام 1932 بعد عودتها من البعثة، لتصبح من أوائل النساء اللاتي مارسن مهنة الطب في مصر، ومن أوائل من حصلن على عضوية نقابة الأطباء. شاركت في احتجاجات ثورة 1919 مما أدى إلى فصلها من مدرستها. هي الأخت الصغرى لملك حفني ناصف إحدى رائدات الحركة النسوية في مصر.
بدأت كوكب ناصف بالحديث عن شقيقتها الكبرى ملك حفني ناصف وكيف تأثرت بها، وكيف تولت ملك جزءاً كبيراً من مسئولية رعايتها نظراً لمرض والدتهما، وكيف تعلمت منها الكثير، وخاصة الشعر العربي، وكيف استغلت ملك الشعر لتساعدها على تجاوز ما كانت تلقاه من تنمر بسبب سمرة بشرتها. تتحدث أيضاً عن حزنها على ملك بسبب وفاتها المبكرة، وكان عمرها 18 عاماً فقط، وتتذكر يوم وفاتها فتقول: “أنا كنت داخلية في المدرسة ليلتها من غير سبب فضلت أعيط جت الظابطة بتمر، مالك يا كوكب قلت لها ضرسي بيوجعني هاقول إيه ما أنا مش لاقية سبب، وبعدين قالت لي طيب حاجيب لك أبصر إيه وراحت، بعديها مافيش بساعتين قالت لي قومي إحنا بعتنالهم في بيتكوا وأخوكي جاي ياخدك عشان يوديكي للدكتور. لبست ونزلت كان بالليل طبعاً، لقيت أخويا عصام، كان عنده 17 وشويه كده، بيعيط، مالك يا عصام بتعيط ليه أنا مش عيانة قوي، قال لي بابا ضربني وبابا عمره ما ضرب حد، عشان رفدوه من المدرسة، هي كانت وقت شعللة يعني، وبعدين خدني وروحنا في عربية حنطور مكانش في لا أوتومبيلات ولا تاكسيات ولا بتاع، دخلت البيت لقيت أختي حنيفة واقعة على السرير اللي هي كانت راقدة فيه وبتعيط فبصيت لوالدتي قلت لها إيه في إيه، قالت لي أختك ماتت. كانت صاعقة. وبعدين حصلت المحزنة قلبوا السجاجيد وعملوا الحاجات بتاعت زمان دي، وجميع المدارس قفلت وكلهم مشيوا في الجنازة وجميع الناس المعروفين يعني، كان فيه فوق 20 ألف مشيوا من شبرا للإمام الشافعي. أنا ماصدقتش إنها ماتت، وللنهاردة ماصدقش”.
تتذكر كوكب أنها التحقت بمدرسة ابتدائية داخلية نظراً لعمل والدها بطنطا في ذلك الوقت، وبعد انتهاء فترة دراستها الابتدائية وكان عمرها 13 عاماً، التحقت بمدرسة السنية رغم صغر سنها. وتتذكر قيام ثورة 1919 بعد ذلك وحماسها الشديد لها، وكيف شعرت دائماً قبل الثورة بالغضب الشديد لرؤية الجنود الإنجليز، وكما تقول: “ولو يعني أنا كنت صغيرة إنما لما كنت أشوف اللوريات المليانة عساكر إنجليز كنت أغلي وأقول إمتى في سري طبعاً وأقول إمتى أشوف دول مصريين بدل الإنجليز”. وتتذكر كيف قامت بإشعال المظاهرات والاحتجاجات وخرجت من المدرسة ومعها زميلتها منيرة روفائيل وأخريات، وجمعن الطلاب من المدارس المجاورة لهن. كما تتذكر كيف قامت مديرة المدرسة مس هاردينج برفدها هي ومنيرة روفائيل. بقيت بالمنزل لمدة عام، حتى تم افتتاح مدرسة الحلمية الجديدة الحكومية، وكما تقول: “كانت حكومة برضه وكان اللي يترفد من مدرسة حكومة ما يتاخدش في التانية، عملت طلب وجميع اللي كانوا في وزارة المعارف رشحوني إن أنا أخش. وقفت ضدي الناظرة، نقلوها من السنية إلى الحلمية، قالت أبداً ماتخشش دي مرفودة، كان القانون كده، وبتكره الإنجليز، قالوا لها دي عندها.. ماكنتش تميت 14 لسه 13 وكسر يعني، ماتخافيش على الحكومة الإنجليزية مش حاتقلبها”. وبالفعل التحقت بالمدرسة، وتحكي ذكرياتها مع بعض زميلاتها في ذلك الوقت، ومنهن كريمة السعيد، وعزيزة السعيد، ووجيبة الصادق، وسعاد رضا، وسعاد المويلحي، ونبيلة يوسف، وإيزابيل حنا.
في عام 1919 توفي والدها، بعد ذكرى الأربعين لوفاة ملك، وتتحدث عن قوة والدتها وشجعاتها في التعامل معها فتقول: “والدتي كانت شجاعة وجامدة يعني، دخلت قلت لها في إيه يا ماما، قالت لي أبوكي مات، وقعت، حسيت إن الدنيا بقى كله حايموتوا يعني جابت كباية مايه ساقعة كبتها عليه قالت لي أنتي حاتعيشي وحاتكبري وحاتتعلمي وحاتبقي بني آدم، أبوكي أبوه مات وهو في بطن أمه كانت يادوبك متجوزة بقالها كام شهر، أبوه كان عالم في الأزهر”.
تتذكر أنه بعد ذلك طلبت بعثة كتشنر ترشيح طالبتين من مدرسة السنية وطالبتين من مدرسة الحلمية الجديدة وطالبتين من المدارس الأجنبية كالساكركير والكلية الأمريكية للسفر في بعثة إلى إنجلترا. ووقع عليها اختيار وزارة المعارف، واعترضت الناظرة مس هاردينج مرة أخرى بسبب كراهية كوكب للإنجليز، ولكن تتذكر أن سعد بيه براده وعدها بالسفر رغم ذلك.
سافرت بالفعل في عام 1922، وتذكر بعض من زميلاتها اللاتي سافرن معها، ومنهن أنيسة ناجي من مدرسة الحلمية، وتوحيدة عبد الرحمن من مدرسة السنية، وحبيبة عويس من الساكركير، وفتحية حامد من كلية البنات. سافرن بالمركب والتحقن بالمرحلة الثانوية، وكانت الدراسة لمدة أربع سنوات يتم بعدها الحصول على التوجيهية الإنجليزية.
اتمت دراستها الثانوية ثم التحقت بعد ذلك بكلية الطب، وتتذكر أن الدكتور هيلانة سيداروس كانت في بعثة سابقة لهن وعندما علمت ببعثتهن طلب من وزارة المعارف نقلها لبعثة كتشنر، وقد تخرجت قبلهن بعام واحد.
عملت بعد تخرجها في مستشفى راهبات. وكانت رغبتها هي التخصص في أمراض النساء والولادة، وبالتالي طالبت بنقلها إلى مدينة دبلن بأيرلندا نظرا لوجود كلية متخصصة في أمراض النساء والولادة بها. ظلت بدبلن لمدة عام وحصلت على دبلوم أمراض النساء والولادة.
عادت في عام 1932 إلى مصر، وعملت بمستشفى كتشنر (مستشفى شبرا العام حالياً)، أو “الاسبتاليا” كما تشير إليها. وكان حلمها هو أن يصبح جميع العاملين بالمستشفى من المصريين. عملت في عدة تخصصات مثل الجراحة والباطني، بالإضافة إلى أمراض النساء. وتذكر أن السيدة هدى شعراوي أقامت حفلاً كبيراً لأوائل الخريجات الجامعيات، وكانت هي من ضمنهن ومعها سهير القلماوي ولطيفة ناجي. وتتذكر أنها كانت على علم بنشاط هدى شعراوي والدور الذي يقوم به “الاتحاد النسائي”، ولكن لم تتح لها فرصة المشاركة معهن، فكما تقول: “لأ مكانش ليه علاقة، أقولك لأني كنت بقى مندمجة في الطب وفي الأسبتاليا، كانت روحي في الأسبتاليا… كنت متابعة لكن ماكنتش باتدخل ليه لأن كنت محاطة بالإنجليز، الريسة والسسترات ومجلس الإدارة كان معظمهم إنجليز، إذا غلطت غلطة صغيرة حاتقلب، فكنت واخدة بالي من ديه، وكان في بالي إن أنا يوم ما حابقى مديرة المستشفى، فإزاي حابقى مديرة المستشفى إذا كان حايقلبوني وأنا لسه في البيضة يعني، وكنت باحتاط قوي في كلامي وكده”.
في عام 1938، طالبها عميد الطب على باشا إبراهيم بالذهاب إلى السعودية بناء على طلب الملك عبد العزيز. سردت ذكرياتها في السعودية وعملها كطبيبة لحريم الملك والظروف المعيشية الشاقة التي عانت منها.
وبعد ذلك عادت إلى مصر واستأنفت عملها بمستشفى كتشنر مرة أخرى حتى أصبحت الطبيبة الأولى بالمستشفى، وكما تقول: “وأنا بقيت الطبيبة الأولى، وكانت كبيرة قوي يعني أن أنا أبقى الطبيبة الأولى وابتديت بقى اتدخل معاهم، على رأي واحد من الدكاترة قال أنتي ليكي شخصيتين مع الدكاترة بتبقي كويسه قوي ومع الموظفين بتبقي جامدة، قلت لهم لأ أنا لا جامدة ولا حاجة أنا بالعكس البنات دول معتبراهم ولادي لأنهم اتربوا وأنا موجودة فأنا عايزه أطلع منهم سسترات وريسة… وحصل وعملت منهم سسترات وعملت منهم ريسة وكانت كويسه قوي وفضلت ماشية الاسبتاليا على نفس الطريقة”. أصبحت بعد ذلك مديرة للمستشفى، وعملت على تطويرها بالتعاون مع مجلس إدارتها، وتولت مسئولية تدريب الطبيبات الجديدات، كما قامت بافتتاح حضانة لأبناء العاملات بالمستشفى. كما أسست أول مدرسة للتمريض في مصر. وقد تحقق حلمها في عام 1964، وأصبح المستشفى مصري جامعي خاضع لوزارة الصحة المصرية.
ترى كوكب أن إنجازها الأكبر هو اختيارها للطب والعمل به، وكما تقول: “الطب، يعني هو اللي عملني زي ما تقولي”.
37498197(202)+
37497527(202)+
4 ش عمر بن عبد العزيز متفرع من ش العراق المهندسين، الجيزة، جمهورية مصر العربية