لي لي دوس، رائدة العمل الاجتماعي وإحدى مؤسسات الجمعية النسائية لتحسين الصحة العامة في عام 1936، والتي بدأت كجمعية متخصصة لرعاية مرضى السل وأسرهم. تتحدث لي لي دوس في هذه المقابلة عن رحلتها مع التعليم والعمل، والتي بدأت بالتحاقها بمدرسة الساكركير (القلب المقدس)، ثم انتقالها لكلية البنات وتخرجها منها في عام 1933، ثم استأنفها لدراستها الجامعية، وكانت في سن الخامسة والستين، حيث التحقت بالجامعة الأمريكية بالقاهرة لتحصل على درجتي الليسانس والماجستير في الأدب الإنجليزي والمقارن في عام 1981.
ولدت لي لي دوس في أسيوط، وكان والدها محامياً ثم أصبح وزيراً للزراعة في عام 1927. عاشت لي لي في أسيوط حتى بلغت سن السادسة ثم سافرت مع أسرتها إلى القاهرة. التحقت في البداية بمدرسة الساكركير، ثم أخرجها منها والدها وألحقها بكلية البنات، نظراً لرغبته في تلقي ابنته تعليماً مصرياً لا أجنبياً، وتخرجت منها في عام 1933. كانت رغبتها هي استكمال دراستها بالجامعة، فكما تقول: “إحنا فعلا كنا بنات ثورة 1919، فكنا حاسين إن علينا واجب ناحية البلد، البلد بدأت تبقى مستقلة وعلينا نشوف المشاكل بتاعتها. كنا قاعدين في بيتي في الزمالك، وكان في مدرسة بنقول لها، مفروض إن أحنا نستنى العريس ولا في واجب علينا”. ولكن قوبلت رغبتها برفض والدها التام.
بدأ نشاط لي لي دوس الاجتماعي في عام 1936، بعد أن عرفت من إحدى معلماتها أن الدكتور محمود أباظة مدير قسم الأمراض الصدرية يشكو من انتشار مرض السل في مصر بشكل كبير، وبدأت بعدها في زيارة المستشفيات والأسر الفقيرة مع بعض من زميلاتها، وعن هذه الزيارات تقول: “لا يمكن أنسى الزيارة الأولانية اللي عملناها، أنا كنت ساكنة في الزمالك وما كنتش عارفة ما هو الفقر، غير إن لما كنت في مدرسة فرنساوية
كانوا ياخدوا مننا الشيكولاتة ويقولوا إدوها للفقرا”. قررت هي وهذه المجموعة من زميلاتها عمل جمعية من أجل خدمة الأسر الفقيرة، وكانت معهن سيدة إنجليزية متزوجة من الدكتور عبد المجيد محمود، وكانت تحب مصر كثيراً، وشغلت منصب رئيسة الجمعية. بدأ نشاط الجمعية بثمانين قرش تم جمعها من العضوات لشراء الأقمشة وزيارة الأسر الفقيرة. وتم عمل مقر للجمعية في شارع دولت فاضل. وكانت الجمعية تقوم بجمع التبرعات عن طريق إقامة حفلات أو ندوات، وسمح والد لي لي لها بإقامة بعض من هذه الحفلات في منزلهم. لاقت فكرة الجمعية التهكم من البعض في البداية، وكما تذكر: “كانوا بيقولوا لنا دي نقطة في بحر، قلنا لهم والله نقطة في بحر ممكن تبقى بحر في يوم من الأيام”. وبعد مرور عامين، أصبح لدى الجمعية 1000 جنية في حسابها البنكي. اهتمت الصحافة بأنشطة الجمعية وكتبت عنها، وزادت التبرعات بشكل كبير، حتى قررت العضوات في عام 1945 عمل أسبوع لتحسين الصحة لاقى نجاحاً كبيراً وتم جمع تبرعات وصلت إلى ثلاثين ألف جنيهاً. وبدأت الجمعية في إنشاء فروع لها في الأقاليم وصلت في النهاية إلى حوالي 24 فرعاً.
خلال العمل بالجمعية، واجهت العضوات مشكلة رفض الآباء إدخال أبنائهم من المرضى إلى المصحة، فقررت مع العضوات الأخريات البحث عن مكان لإبعاد هؤلاء الأبناء، واستمر بحثهن عن مكان حتى نصحتهن إحدى الصديقات بأخذ المعسكر الإنجليزي الموجود في طريق الفيوم ليصبح مكاناً لهؤلاء المرضى. وبالفعل، قمن بشراء المعكسر بحوالي 800 جنيهاً، وكان عبارة عن 7 مباني مهدمة، وتوجهن لوزير الداخلية بطلب لقيام بعض المساجين بتمهيد الطريق، وقد وافق الوزير على ذلك. وكانت لي لي تنزل كل يوم بالسيارة التي تقل المساجين حتى اعتقد البعض أن عليها حكماً يتم تنفيذه ولكن يسمح لها بالمبيت في المنزل كونها ابنة وزير سابق، وكما تتذكر: “في يوم من الأيام لقيت الشغالة اللي عندي زعلانة قوي، قلت لها إيه اللي حصل؟ قالت لي ده بيقولوا إن حضرتك عملتي ذنب، لكن لأنك بنت باشا بيسمحوا لك تباتي في البيت”.
تم تأسيس الجمعية من الداخل من مخلفات الجيش لتتسع لاستقبال 500 طفلاً. وتم حل مشكلات المرافق والمياة والكهرباء، واستقبلت الجمعية 30 طفلاً في البداية، ثم استمر العمل حتى تحولت الجمعية إلى مدينة بها دار حضانة، ومدرسة ابتدائية وإعدادية وثانوية، وأيضاً دار مسنين.
وكان للجمعية دور بارز خلال فترات الحروب، أثناء العدوان الثلاثي وحربي 1967 و1973، من ذهاب إلى الأقاليم، والتبرع بالملابس، وافتتاح مراكز خياطة لكساء المحاربين، كما كافحت لي لي دوس من خلال تعاون مشترك مع جمعية المبرة ضد مرض الكوليرا في عام 1947. وتذكر لي لي الدور الكبير الذي لعبه عدد من الجمعيات في المجتمع المصري، فتقول: ” وأهم حاجة عملوها الستات بتوع الجمعيات اللي هي «مبرة»، اللي هي كانت من أحسن الجمعيات «مبرة محمد علي»، و«المرأة الجديدة»، الحقيقة من أحسن الجمعيات كمان، والتالتة اللي كويسة أوي «النور والأمل». مع المبرة كافحنا في سنة 1947 الكوليرا، كان في الكوليرا والحكومة مش راضية تقول إن في كوليرا، فالستات بتوع «مبرة محمد علي» وكنا إحنا معاهم، أنا ما روحتش الأقصر وأسوان لكن روحت في النواحي اللي هنا. الستات راحوا الأقصر وأسوان، وبرهنوا إن في كوليرا، ولما اضطرت الحكومة إنها تكافح وتقول في كوليرا وتعمل حاجة. فالستات في الجمعيات الأولى لها فضل كبير علينا إحنا اللي جينا في الخط التاني”.
تركت لي لي دوس العمل بالجمعية لمدة عشر سنوات، لتحقق حلمها القديم وتكمل تعليمها بالجامعة. فحصلت على شهادة الـ GCE، وهي شهادة معادلة لشهادة الثانوية العامة، وبالفعل التحقت بعد ذلك بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وحصلت على شهادة الليسانس، واستمرت بها حتى حصلت على شهادة الماجستير في الأدب الإنجليزي والمقارن في عام 1981.
واصلت لي لي دوس العمل بالجمعية مرة أخرى بعد انتهائها من الدارسة، واهتمت اهتماماً شديداً بالجانب الإداري للجمعيات وبفكرة التخصص، وكما تقول: ” إحنا بنشتغل مع بني آدميين، فإذن لازم يكون عندنا ناس أخصائيين نفسيين اجتماعيين هما اللي يشتغلوا مع الجماعة دول، لإن إحنا عاوزين نطلع الإنسان اللي هنا إنسان ينفع البلد، مش إنسان ناقم علينا إن إحنا حطناه هنا، حايطلع متضايق لأنه ما اشتغلش يبقى إحنا عملنا العكس”. وكان أحد أحلامها التي لم تتحقق أن تقوم الجامعة بإنشاء مدرسة للخدمة الاجتماعية داخل جمعية تحسين الصحة، وكما تقول: “وطبعاً النهاردة باحلم.. مش قادرة أبطل أحلم. آمالي في المستقبل إن مكان زي ده فيه إيواء وفيه أطفال وفيه دار مسنين وفيه حضانة، ليه الجامعة ما تعملش مدرسة خدمة اجتماعية هنا؟”.
لم تتزوج لي لي دوس، ووهبت حياتها للعمل الاجتماعي والخدمة الاجتماعية، ولجمعية تحسين الصحة التي كانت تعيش بداخلها تقريبا في النهاية، وتتنقل بينها وبين منزلها في جاردن سيتي، كما تقول: ” كنت باجي أنا عندي شقتي في جاردن سيتي لكن تعبت قوي من المشوار، إن أنا آجي يومين في الأسبوع، ولقيت إن يومين في الأسبوع ما يكفوش، ودلوقتي أنا بأقعد هنا السبت والحد والاتنين والتلات، وبأروح البيت الأربع والخميس والجمعة”.
انصب اهتمامها في أواخر حياتها على أطفال الجمعية، وظلت تناضل حتى النهاية بكل إصرار وأمل وبنفس شخصيتها المتحررة المستقلة، وكما تقول عن نفسها: “بنت مش مطيعة.. دايماً متحررة في أفكاري وده ما بيعجبش كل الناس”.
37498197(202)+
37497527(202)+
12 شارع سليمان أباظة، الدقي – الجيزة.