في هذه المقابلة، تتحدث نازلي قابيل، إحدى رائدات التمريض في مصر وكبيرة “حكيمات” منطقة المرج في ضواحي القاهرة والحاصلة على جائزة “فلورنس نايتينجيل” من الاتحاد الدولي للصليب والهلال الأحمر، عن رحلتها مع التعليم والعمل، والتي بدأت بدخولها مدرسة محمد علي الملكية الابتدائية للبنات في المنيرة، وحصولها في هذه المرحلة على المركز الثاني عشر على مستوى الجمهورية. تتحدث أيضاً عن التحاقها بعد ذلك بمدرسة السنية الثانوية، وبعدها التحاقها بمدرسة الحكيمات، ثم حصولها على دبلوم تمريض النساء والتوليد في عام 1948 من مدرسة حكيمات طب القصر العيني.
ولدت نازلي قابيل في القاهرة في حي المنيرة، وتوفي والدها بعد ولادتها بأربعة أشهر فقط. كانت الصغرى بين إخوتها، وبمفردها ربتها أمها التي لم تتلق أي تعليم هي وشقيقتها وشقيقيها، وعنها تقول: “دا أمي دي لو كانت أتعلمت كانت هدت الدنيا؛ كان ليها أفكار غير عادية”. اهتمت والدتها بتعليمها وأرادت لها أن تكمل تعليمها مثل ابنة عمها “نجية ندى” التي التحقت بمدرسة الحكيمات وسافرت مع زميلاتها نبوية مصطفى وزينب شريف في أول بعثة تمريضية تذهب إلى إنجلترا، فجعلتها والدتها قدوة لها. وبالفعل، التحقت في المرحلة الابتدائية بمدرسة محمد علي الملكية والتي كانت تابعة للخاصة الملكية، ولا تتبع وزارة المعارف، وذلك نظراً لعمل خالها بالخاصة الملكية في ذلك الوقت. تتذكر مدرستها وكيف كان الاهتمام ليس منصباً على العلم فقط، ولكن على النظافة والنظام وغيرهما، وكان مدرسوها من “الصفوة المختارة” كما تقول. وتذكر نشيد الصباح الذي كانت تردده صباحاً على منصة المدرسة وتقول: “”للملك اهتفوا يا جنود العلم للملك اهتفوا دائماً دائماً، بالملك يا بلادي اقتضي بالملك كلنا نقتضي.” وكانت حفلة نهاية العام تتم بحضور الأميرات، وتذكر منهن الأميرة فوزية والأميرة فايقة. تتذكر أيضاً زميلاتها في الدراسة، ومنهن سامية وإخلاص صادق، وأيضاً أنيسة ورتيبة وأمينة الحفني. أحبت نازلي التاريخ والجغرافيا واللغة العربية ولم تهو مادة الحساب. أحبت القراءة أيضاً، وخاصة روايات مصطفى لطفي المنفلوطي وطه حسين.
التحقت بعد ذلك بمدرسة السنية الثانوية بالمجان نظراً لتفوقها، وكانت فترة الدراسة بها 5 سنوات، تحصل بعدها على شهادة الثقافة. وكانت رغبة والدتها هي أن تصبح طبيبة، وكما تقول: “قعدت في صراع مرير مع والدتي، والدتي تقول لي كملي وتبقي طبيبة، وأنا أقولها لأ أنا مش عايزه أكمل، أنا عايزه أبقى حكيمة وممرضة وعايزه اشتغل في الريف، وكنت باروح في الاجازات باعلم ولاد الفلاحين الأغاني اللي كنا بناخدها في المدرسة والرقص التوقيعي وحاجات كدة، فكان كل أملي إن أنا أشتغل في الريف”. أصرت نازلي على رغبتها، وبالفعل التحقت بمدرسة الحكيمات الملحقة بالقصر العيني. وكانت مدة الدراسة بها 5 سنوات منها سنة للتدريب، وكان عدد الطالبات في دفعتها ما يقرب من 60 طالبة. وفي بداية الالتحاق بالمدرسة تبقى الطالبات لمدة ستة أسابيع بدون الخروج منها أو زيارة الأهل، وبعد ذلك تكون الإجازة والزيارات في أيام الخميس والجمعة. تفوقت نازلي في دراستها وكانت من الأوائل، وعليه اتيحت لها فرصة المشاركة في العمليات في السنة الخاصة بالتدريب، ولكن خشيت عليها والدتها نظراً لضعفها في فترة الصغر، وطلبت من الرئيسة وكانت تدعى Miss Surgeon أن تستبعدها من العمليات، فقامت بنقلها لمستشفى أبو الريش للأطفال، وتولت مسئولية قسم الصدر لمدة عام، وعن هذه الفترة تقول: “الأطفال اللي عندهم السل دول كانوا بيعدوا بالتلاتة والأربع سنين ما كنش زمان السل ليه عالج فكان العيال يا عيني كل يوم بيض في بيض، فكنت أنزل المطبخ أقوله نعملهم بالبيض دا كيكة نعملهم قرص عجة عشان ما يزهقوش. الولاد كان الأوضة فيها سبعة، فجيت قعدت معاهم سنة فكنت أجي في العيد أخد من كل دكتور خمسة صاغ وأجيبلهم بالونات وأزوقلهم الأوضة وما كانش زمان في تلفزيون فكنت أنزل الراديو اللي في أوضة الحكيمات فوق يسمعوا بابا صادق وماعرفش إيه عشان مايزهقوش وكنت أخلي أهاليهم تلبسهم غير لبس المستشفى يلبسوا اللبس العادي في العيد”.
تخصصت نازلي بعد ذلك في مجال النساء والتوليد، وكانت الأولى على دفعتها مرة أخرى، وحصلت بعد ذلك على دبلوم التمريض، دبلوم النساء والولادة، ودبلوم الأطفال، وكان ذلك في فترة خطبتها، ثم زواجها بعد ذلك. وتم إلحاقها بعد ذلك للعمل بأحد المراكز الاجتماعية التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية، وكانت تدعى في ذلك الوقت “مصلحة الفلاح”، وجاء عملها بمركز اجتماعي المرج الذي رغبت العديد من الممرضات بالعمل به، ولكن تم اختيارها نظراً لكونها الأولى على دفعتها. استمرت في العمل بالمركز لمدة 19 عاماً، حتى أصبح تابعاً لوزارة الصحة في بداية الستينيات. أحبت العمل في مركز المرج بشدة ولم تكن لديها أية رغبة في تركه. وتذكر كيف قامت ببناء حضانة للأطفال من جذوع الشجر وجريد النخل، وتولت مصروفاتها بالجهود الذاتية، وكما تذكر: “قلت أنا بتجيلي واحدة حامل دلوقتي بينادوا بالكشف بتاع الطفل يعملوله دوسيه، أنا عملت هذا في الخمسينات، كانت الست اللي تولد عندي ليها استمارة حمل، بتولد، فالاستمارة بتتحول لعيادة الأطفال، يجي يتوزن عندي مرتين في الأسبوع أشوف الرضاعة وأشوف كده، بعد ما يتخرج تلات سنين أدخله دار الحضانة عندي من تلاتة لستة، بعد الستة بنفس الاستمارة يخش المدرسة الابتدائي.
بعد أن أصبحت المراكز تابعة لوزارة الصحة، طالب مدير القسم الطبي للشئون الاجتماعية أن تصبح نازلي مديرة تمريض منطقة مصر الجديدة. ولكنها لم ترغب في ترك منطقة المرج، وتمسك بها الأهالي تمسكاً شديداً، وفي النهاية تم توزيع مهامها الوظيفية ما بين المرج ومصر الجديدة. وقامت بعمل لجنة للسيدات المشرفات على دار الحضانة، وقامت بتطبيق حملة مشابهة لتنظيم النسل، بالإضافة إلى إلقاء محاضرات تتعلق بالتوعية الصحية وتغذية الحامل. وانتخبت رئيسة لجنة العشرة التابعة للاتحاد الاشتراكي في منطقة المرج، وحرصت من خلال وظيفتها على إصدار بطاقات انتخابية للسيدات في منطقة المرج.
خلال هذه الفترة، اختارت أن تسافر إلى اليابان للحصول على تدريب “التمريض المجتمعي”، كذلك تم انتخابها كخبيرة تمريض في مشروع الخدمة الاجتماعية بالريف، كما قامت بالتدريس في مدارس التمريض، وكما تقول: “كنت باحب قوي أدرس سنة أولى، عشان أقولهم إزاي يحبوا التمريض”. وفي عام 1983، وصلها خطاب يفيد اختيارها عضوة في اللجنة العلوية بالهلال الأحمر التي رأستها سوزان مبارك، السيدة الأولى سابقاً، والتي طلبت منها تولي سبع معسكرات للمشردين في الجيزة في أعقاب زلزال 1992، وأصبحت عضوة في فريق تولي إسكان ضحايا الزلزال. قامت كذلك بتأسيس فصول محو أمية وإنشاء نادي للمرأة، بالإضافة إلى اختيار رئيسات للوحدات السكنية اللاتي قامت بإعطائهن دورات مكثفة في الإسعافات الأولية والتثقيف الصحي. وتولت منظمة UNICEF تمويل المشروع، وضمت الدورات توعية صحية للحوامل والمسنين ومجالسة أطفال ومسنين وتخرج من المشروع 240 رائدة صحية. توسع نطاق المشروع ليشمل نوادي للطفل والشباب والمسنين والتفصيل ومشغل خيامية ومشروع حماية الطفولة، وبعد مرور فترة زمنية، شمل مجمعاً صحياً اجتماعياً لكافة التخصصات والأمراض. وأصبحت نازلي بعد ذلك عضوة مجلس الإدارة وأمينة للصندوق بالهلال الأحمر. بعد إحالتها للمعاش في عام 1984، تم انتخابها نقيبة للتمريض بالتزكية، وكان ذلك بعد تولي شقيقتها عايدة قابيل للمنصب ثم وفاتها وتولي جوزال كامل التي قامت بتزكية نازلي لتصبح النقيبة. انضمت نازلي كذلك لعضوية عدد من الجمعيات مثل “المرأة الجديدة” و”الرعاية المتكاملة”، وكانت مديرة التمريض في “جمعية تنمية خدمات مصر الجديدة.”
وعن زواجها تقول نازلي إنه كان لها الحرية الكاملة في اختيار شريك الحياة، والذي امتهن الطب وتخصص في طب الأطفال. ولم تر أي تعارض بين ما قامت به من عمل وإنجازات كبيرة وبين الاهتمام بزوجها وأبنائها، نظراً لحرصها الشديد على القيام بدورها في الجانبين على أكمل وجه.
حصلت على وسام العلوم والفنون عام 1984 من رئيس الجمهورية الأسبق حسني مبارك، بالإضافة إلى حصولها على جائزة “فلورنس نايتنجيل” من الصليب والهلال الأحمر في سويسرا، كما حصلت على نوط الامتياز من الاتحاد الدولي للجمعيات.
أحبت نازلي مهنة التمريض ووهبتها حياتها، وافتخرت بها وشجعت طالباتها وزميلاتها على الافتخار بمهنتهن، وعنها تقول: “لما كنت باروح مؤتمرات مع الدكتور ويقولولي يا دكتورة أقولهم أنا مش دكتورة أنا ممرضة أنا باعتز جداً بكلمة ممرضة لأن التمريض دا أقدم مهنة إنسانية بعد الأمومة، الأم ما هي إلا ممرضة، فأنا كنت أحب ولغاية دلوقتي أقول للبنات ما حدش حيحسن نظرة المجتمع إلا الممرضة نفسها بمظهرها وبشخصيتها وبتمسكها بعلمها وسلوكياتها مع العيانين هي دي الحقيقة”.
37498197(202)+
37497527(202)+
4 ش عمر بن عبد العزيز متفرع من ش العراق المهندسين، الجيزة، جمهورية مصر العربية