في هذه المقابلة تتحدث الدكتورة هدى بدران، إحدى رائدات الحركة النسوية في مصر. تميزت بتفوقها العلمي، وكان لوالدها فضل كبير في نشأتها الثقافية. حصلت على الليسانس من قسم الاجتماع بالجامعة الأمريكية في عام 1957. ثم حصلت على ماجستير في الإدارة الاجتماعية من جامعة لوي فيل بالولايات المتحدة في عام 1959، كما حصلت على شهادة الدكتوراه في الرعاية الاجتماعية من جامعة ويسترن ريفرس بالولايات المتحدة في عام 1967. شغلت عدة مناصب، من بينها أخصائية اجتماعية ومديرة إدارة المكفوفين في الأمم المتحدة. عملت في دول مختلفة، مثل الولايات المتحدة وسريلانكا. قامت بتأسيس “رابطة المرأة العربية” و”الاتحاد النوعي لنساء مصر”. أقامت وشاركت في عدة مؤتمرات دولية، وكان من أبرزها مؤتمر بكين في 1995.
تحدثت هدى بدران عن تفوقها العلمي منذ التحاقها بمدرسة الأميرة فوقية ببنها، والتي التحقت بها في سن السادسة واستمرت بها لمدة 4 سنوات. تتذكر حصولها على المرتبة الأولى على مستوي محافظة القليوبية في المرحلة الابتدائية، وعن حصولها على جائزة من محافظ القليوبية. ترجع هدى تفوقها هذا لمحاولتها مواجهة التمييز الذي لاقته بين الذكور والإناث في عائلتها، فكان التفوق والتميز هو وسيلتها للمواجهة. كان لوالدها أثر كبير فيها من خلال ثقافته، حيث أسس لجنة التأليف والترجمة والنشر، بالاشتراك مع طه حسين وأحمد أمين وآخرين. تتذكر أيضاً حرص والدها على قيامهم برحلات أسبوعية إلى مزارات تاريخية مع أبنائه، وكما تقول: “كان فيه صالونات أدبية في هذه الأيام، كان صالون لجنة التأليف والترجمة والنشر ليلة الخميس، لا زلت افتكره. بعضنا كان يروح، مش كل العيال يروحوا، لكن أنا اكمني كنت شاطرة كنت أروح مع أبويا. وأنا عندي سبع، 8 سنين أو تسع سنين أسمع مناقشات بتتقال مش على مستوى أطفال، بس كنت باقدر أفهم شوية من اللي بيتقال، وكان عندي قدر من الشطارة خلتني أحس إن أولاً التعليم مهم جداً في حياة الإنسان”.
بعد انتهاء مرحلة دراستها الابتدائية، انتقلت العائلة إلى القاهرة واستقرت بمنطقة ضريح سعد، وتتذكر ارتباطها في تلك الآونة بأصدقاء شقيقها واهتمامها بالمشاركة في أنشطتهم، وكما تقول: “وكنت مرتبطة بالشلة بتاعت أخويا الأكبر من الصبيان، وكنت ألعب معاهم… كانوا الصبيان عاملين فرق كورة وأنا كنت في الفريق، بس كانوا يعاملوني أقل شوية منهم، بمعنى مش مديني موقع في الفريق ثابت”.
التحقت بعد ذلك بمدرسة الثقافة النسوية الثانوية، وظلت بها لمدة 6 سنوات. ثم التحقت بعدها بمدرسة الليسية الفرنسية وتفوقت بها أيضاً. تزوجت بعد ذلك مباشرة من أحد أصدقاء والدها وهي في عمر الـ 16 عاماً، وتوفى بعد زواجهما بفترة قليلة، وبعد إنجابها لابنتها، وكان عمرها 17 عاماً ونصف.
تعرفت هدى بعد ذلك على عميدة كلية الخدمة الاجتماعية إحسان القوصي ولاقت منها تشجيعاً كبيراً على استكمال تعليمها، وبالفعل التحقت بالكلية بعد صدور إذن من وزير المعارف، وحصلت على المرتبة الثانية على مستوى الجمهورية. التحقت بعد ذلك بالجامعة الأمريكية، وحصلت على الزمالة بمساعدة أحد أساتذتها، وهو د. جاردنر، وحصلت على المرتبة الثانية على مستوي الجمهورية.
عملت بعد ذلك في مدرسة معلمات الحلمية كأخصائية اجتماعية. تحدثت عن تجربتها في المدرسة والعمل مع فتيات من خلفيات متنوعة، وارتباطها الشديد بهن. تمكنت هدى بدران من الحصول على وظيفة مديرة إدارة في منظمة للمكفوفين ملحقة بالأمم المتحدة، وعن هذه التجربة تقول: “أنا دايماً أقول ساعات الدنيا صدف وجهد، الاتنين سوا. أبويا في آخر أيامه فقد بصره، الشغل بتاع المكفوفين ما تتصوريش أد إيه كان مفيد جداً في علاقتي معاه. لما أمشي معاه، حاجات بسيطة أوي تعمل أثر، لما تمسكي المكفوف ويحس أنك تقوديه يتضايق جداً، لما هو يحط إيده في إيدك ويحس إنك ماشية معاه، دي ندية، زي أي حد ما يحط إيده في إيد حد. هي حاجة بسيطة”.
حصلت بعد ذلك على بعثة لدراسة الماجستير في الولايات المتحدة، وكانت مدتها عامين، وبعد عودتها إلى مصر، عملت معيدة بكلية الخدمة الاجتماعية، ولكن بعد وفاة والدها فضلت السفر مرة أخرى إلى الخارج وحصلت على إجازة بدون مرتب، وكان ذلك بعد صعوبات واجهتها من عميدة الكلية. ثم سافرت في بعثة للحصول على الدكتوراه من الولايات المتحدة، بالفعل حصلت عليها في عام 1967. وتتذكر أنها كانت قد حصلت على إعانة لابنتها المقيمة معها، ولكنها اضطرت لإرجاع قيمة الإعانة نظراً لأنها كانت متاحة للرجال فقط.
بعد عودتها إلى مصر، قامت بالتسجيل لدرجة الدكتوراه في كلية الخدمة الاجتماعية، وكان موضوعها عن التنمية الحضرية، وقد تمركز بحثها حول حي شبرا الخيمة. تم طلبها لعمل دراسة تتعلق بوضع المرأة في مصر والسودان ولبنان من منظمة اليونيسيف، والتي على أثرها تم عقد أول مؤتمر إقليمي عن المرأة والتنمية، بالتعاون من منظمة اليونيسيف، وجامعة الدول العربية، ومنظمة اليونسكو. وقد نتج عن المؤتمر تأسيس “لجنة المرأة” بجامعة الدول العربية. عٌرض على هدى بدران العمل في منظمة اليونيسيف، في مشروع يتعلق بالتنمية الحضرية في بيروت، وقد ذكرت المساعدة التي تلقتها من عميد الكلية، وتمكينه لها من الحصول على إعارة من الكلية. ذكرت كذلك بعض المشاكل التي واجهتها في العمل بسبب رغبتها في الحصول على معاش من الأمم المتحدة، ومن ثم تقدمت باستقالتها من كلية الخدمة الاجتماعية، التي قوبلت بالرفض من مدير الجامعة. تم تحويلها للتحقيق إثر استقالتها، وقام مدير الجامعة بفصلها من الجامعة لما رآه من تقصير في أداء الوظيفة، وخصم ربع معاشها على حد قولها. تحدثت عن إنجازاتها الوظيفية، ومن بينها تأسيس قسم للمرأة في مشيخة الأزهر، ضم كتيبات ونشرة، بالإضافة إلى اتفاقية مع “وحدة الأم والطفل” بكلية الطب.
في عام 1980، عٌرض عليها منصب ممثلة مقيمة بصفة استشارية في الأمم المتحدة. رغبت هدى بدران في العمل كرئيسة مكتب بهدف وضع وتنفيذ السياسات، وعملت رئيسة مكتب اليونيسيف في سريلانكا. اشتركت في منتدى العالم الثالث لدي عودتها إلى مصر، وعملت كمحققة أساسية في دراسة تتعلق بالريف في العالم العربي، واستأنفت التدريس بالجامعة.
قامت كذلك بتأسيس “رابطة المرأة العربية،” بالاشتراك مع عايدة جندي، وليلي اللبابيدي، وسوسن عثمان، عميدة معهد الخدمة الاجتماعية. استهلت الرابطة نشاطها بتقديم معونات للحضانات، وبعدها توسع نشاطها إلى المشاركة في المؤتمرات الدولية التابعة لجامعة الدول العربية بصورة غير رسمية؛ وقد تولت الرابطة تنسيق مؤتمر بكين عام 1995 على المستوي العربي، بإشراف الأمم المتحدة. شاركت هدى في تأسيس “المجلس القومي للطفولة والأمومة”، وتم تعيينها أمينة عامة له، كما تم انتخابها مرتان لرئاسة “اللجنة الدولية لرعاية الطفل”. يُذكر أن مصر انتخبت عضواً في مجلس اليونيسيف الدولي، وتم اختيار هدى بدران لتمثيل مصر في هذا المجلس.
تتحدث هدى عن الدور الرائد الذي احتلته مصر في فترة السبعينيات فيما يخص شئون المرأة، وتتذكر المناصب التي شغلتها والدور الذي لعبته هي وقريناتها من المهتمات بقضايا المرأة في تلك الآونة، فكما تقول: “كان لنا دور كبير جداً كمصريين، في السبعينيات، مصر”.
37498197(202)+
37497527(202)+
4 ش عمر بن عبد العزيز متفرع من ش العراق المهندسين، الجيزة، جمهورية مصر العربية