تدور هذه المقابلة مع النسوية المصرية هند سالم، مديرة دار هُنّ للنشر في فلك حياة هند العملية والشخصية. تتحدث هند عن بداياتها في مجال مؤسسات المجتمع المدني، وإنشاء دار هُنّ، والتحديات التي تواجهها، وأثر جائحة كورونا المستجدة على مجال النشر، وأيضًا عن حياتها الشخصية وزوجها وعائلتها.
تخرجت هند سالم في أكاديمية الفنون، قسم دراما ونقد، عام 1998. ومن خلال دراستها شعرت أن هناك ظلم ما تتعرض له النساء، دون أن تُلم حينها بالنظرية النسوية. شغلت هند عدد من المناصب الهامة في مؤسسات المجتمع المدني، حيث التحقت بعد تخرجها بـ”منتدى الشابات”، وهو برنامج تقدمه مؤسسة المرأة الجديدة، وبدأت خلال عملها أن تفهم النسوية وتنتمي إليها. أدارت أيضًا مشروع “مبدعات في الظل”، والمختص باكتشاف فتيات مبدعات خارج القاهرة. عملت أيضًا في “مركز دعم التنمية” في مجال الجندر. كانت هند حتى عام 2017 مديرة تنفيذية لـ”نورس”، الشركة التابعة لمؤسسة المرأة الجديدة، ثم سافرت إلى الأردن حيث بدأت تمارس خبراتها في العمل الاستشاري، تحديدًا في البناء المؤسسي للمنظمات من منظور الجندر. تقول هند إن خبرتها التدريبية جاءت من العمل في “مركز دعم التنمية”، أما خبرتها النسوية فيعود الفضل فيها إلى مؤسسة المرأة الجديدة. بالإضافة إلى هذا، فقد سافرت هند إلى كردستان وشاركت في وضع الاستراتيجية الوطنية للخدمات الصحية، حتى تصبح مستجيبة للسيدات المعنفات جنسيًا أو بشكل عام. تُشدّد هند على أهمية قضايا العنف ضد النساء وعلى اهتمامها الخاص بها، لأنها تقع في قلب الحركة النسوية. تحدثت هند أيضًا عن المشكلات التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني في مصر، وأهمها مشكلة التمويل التي تؤدي إلى انهيار عدد من المؤسسات.
أما عن بدايات دار هُنّ وأهميتها، قالت هند إن الفكرة جاءت من دور النشر النسوية في فرنسا في السبعينيات. تؤكد هند أن هناك الكثير من منظمات المجتمع المدني النسوية العريقة في مصر، فلا توجد حاجة لمنظمة جديدة، بل هناك حاجة لدار نشر نسوية، تقوم بالتشبيك مع تلك المنظمات. تكمن أهمية هُنّ في كونها دار نشر معنية بالكتابات النسوية على مستوى مصر والوطن العربي وشمال أفريقيا، ويميزها أيضًا اهتمامها بالأكراد، وهي أول دار نشر نسوية في مصر. عبّرت هند عن تخوفاتها في البداية، حيث جاءت إجراءات أغسطس 2017، والتي تسببت في أزمة على مستوى جميع منظمات المجتمع المدني ومنها النسوية، ولكنها تقول إن زوجها قرر المخاطرة وإنشاء الدار. أرادت هند أيضًا أن توسع من الدور الذي تلعبه الدار، وألا تصبح دار نشر فقط، بل أن تلعب دورًا ثقافيًا في المجتمع عن طريق إقامة الورش والفاعليات الثقافية، مثل ورشة “مناهج البحث النسوي”، ونادي سينما هُنّ، ونادي الكتاب، ومعرض “فوتوغرافيا نسوية”، وهو أول معرض فوتوغرافيا نسوية يقام في مصر. هكذا تساهم دار هُنّ في نشر الثقافة ومحاولة تغييرها لا نشر الكتب فقط.
بدأت هُنّ بموارد ذاتية، أي برأس مال هند وزوجها فقط، واختارا ضمير الغائب الجمع المؤنث الفرنسي “Elles” لعدم وجوده في الإنجليزية، وهكذا تترجم “Elles” إلى “هُنّ” بشكل مباشر. لم يحاولا البحث عن مستثمرين، وبررت هند ذلك بأن خبرتها تأتي من مجال المؤسسات غير الهادفة للربح، ولكن رغم ذلك، هُنّ تهدف إلى الربح. ترى هند أنها بحاجة لدراسة مسألة المستثمرين أولًا لما بها من إشكاليات. ترحب هند، وبالتالي دار هُنّ بالتحالفات أو التعاون مع رائدات أعمال في نفس المجال. تؤكد هند في سياق آخر متصل أن مجال النشر مجال ذكوري بالأساس، يهيمن عليه الرجال وقيمهم، وأن تقبُّل فكرة وجود ناشر نسوي كانت صعبة نوعًا ما في البداية، خاصة عندما يخلط الجمهور بين ما هو “نسائي” وما هو “نسوي”، حيث يظنون في البداية أن هُنّ تنشر للنساء فقط مثلًا. لكن أكدت هند أن هُنّ قد أثبتت وجودها في المجال، وصار وجود دار نشر نسوية مقبولًا لدى الجمهور. تقول هند إن هُنّ تتمتع بقاعدة شعبية كبيرة في تونس، والجزائر والمغرب وكردستان وسوريا، وإنها تأمل أن تفتتح فرعًا للدار في تونس يومًا ما.
عن جائحة كورونا وتأثيرها على مجال عمل هُنّ، قالت هند إن كافة الأنشطة التي كانت تقوم بها الدار قبل الجائحة وجهًا لوجه قد انتقلت إلى الإنترنت بعد الجائحة. أكّدت هند أن كان لهذا مزاياه، حيث شارك في الفاعليات الثقافية الكثير من الأفراد مقيمين ومقيمات خارج القاهرة، وخارج مصر أيضًا. وفي سياق متصل، أكدت هند أن للعمل من المنزل مساوئه أيضًا، فالنساء يقمن بالأعمال المنزلية أثناء قيامهن بأعمالهن في المنزل، فلا يحصلن على قدر من الراحة أو يفصلن بين نوعي الأعمال.
أما عن التحديات والمعوقات التي واجهتها هند في حياتها العملية، قالت إن منذ عام 2017 وحتى الآن تواجه المؤسسات تحدي الغلق أو عدم الاستمرار. أيضًا جاءت الموجة المصرية من حركة “Me Too”/”أنا أيضًا” لتؤرق هند، فهي أرادت أن تتأكد أن هُنّ تشكل مساحة آمنة للنساء. أكدّت على أهمية تصديق الناجيات، وأهمية إقامة حوار حول تلك الأمور المتعلقة بالفضح والكشف للمتحرشين وحقوق الناجيات من العنف، مع وجود قضاء تعتبره هند غير منصف للنساء. ذكرت هند أيضًا أن استمرارية هُنّ تحدي في حد ذاته لاعتمادها على الموارد الذاتية بشكل كبير، ومحاولتها أن تحقق هامش ربح بسيط لصعوبة الظروف الاقتصادية الحالية.
من ملاحظاتها الشخصية، ترى هند أن النساء والفتيات يتمتعن بدافعية أقوى للتعلم وللتطوير من أنفسهن مقارنة بالرجال، وتلاحظ هند هذا من خلال الورش والفاعليات الثقافية التي تنظمها الدار والتي تقبل عليها النساء أكثر من الرجال. تؤكد أيضًا أنها تشعر بالراحة تجاه العمل مع النساء مقارنة بالرجال. ترى أيضًا أن كثيرًا من النساء صرن رائدات أعمال على مستوى الاقتصاد غير الرسمي، خاصة مع جائحة كورونا، والتي دفعت بالكثير من النساء تجاه التسويق عبر شبكة الإنترنت.
تحدثت هند أيضًا عن عائلتها، تحديدًا عن شقيقتها، ودعمها لها في دراسة الفنون المسرحية، أما شقيقيها فقالت إن بينها وبينهما قطيعة فكرية، لأنهما يمثلان النموذج التقليدي للرجل الشرقي. تؤكد أن عائلتها لا تتدخل فيما يخص عملها. أما عن زوجها فوصفته بكونه رجلًا نسويًا هو الآخر، وداعمًا لها ولعملها. لا ترى هند أن حياتها الشخصية مثلت لها عائقًا في عملها، وترى أن الحظ قد حالفها في اختيار زوجها.
37498197(202)+
37497527(202)+
12 شارع سليمان أباظة، الدقي – الجيزة.