رعاية النمر
فنانة تشكيلية، وصحفية
في هذه المقابلة تتحدث رعاية النمر، رائدة الزي الشعبي في مصر، والفنانة التشكيلية، والمخرجة الصحفية، عن عملها كأول سيدة في مجال الإخراج الصحفي في الصحافة المطبوعة. تخرجت رعاية من معهد الفنون الجميلة العالي للمعلمات في عام 1955 بدرجة الامتياز، والتحقت بنقابة الصحفيين في عام 1957. انتدبت للعمل بوزارة الثقافة سنة 1963 في مركز الفنون الشعبية، لإعداد متحف الفنون الشعبية، وفي مؤسسة المسرح، لإعداد متحف المسرح. ثم عملت بالثقافة الجماهيرية، وكانت أول سيدة تتولى منصب مدير قصر ثقافة الجيزة سنة 1967. شاركت في نشاط سياسي ضد الاستعمار البريطاني. كما اهتمت بالصناعات اليدوية والفنون الشعبية، وشاركت بمقتنيات من مجموعتها الخاصة في مهرجان بغداد للأزياء سنة 1984 بالعراق، وفي نفس العام بمهرجان فني بمحافظة مورسيا بإسبانيا، ممثلة لوزارة الثقافة.
ولدت رعاية بالقاهرة في شارع المبتديان بمنطقة المنيرة، لوالدة تركية ولدت في مصر، ووالد مصري. وتتحدث عن انتمائها الشديد رغم ذلك لمصر وكيف ترى نفسها مصرية صميمة. تتحدث عن والدها، وكان من ذوي الأملاك، وتتذكره بهدوئه وطيبته، ولكن نظراً لانشغاله الدائم وعدم تواجده بشكل كبير، ترى أن التأثير الأكبر كان لوالدتها السيدة زينب فيصل ذات الشخصية القوية، التي حصلت على قدر من التعليم، ولكنها لم تصل إلى التعليم العالي، وتتحدث عن بصماتها القوية عليها، وكيف تركت لها مطلق الحرية في اختياراتها على كافة الأصعدة، وترى أن تفكير والدتها كان متقدماً جداً مقارنة بجيلها.
التحقت رعاية بالمدرسة نظراً لاهتمام والديها الشديد بالتعليم، وذلك رغم ندرة تعليم الفتيات في ذلك الوقت. التحقت في البداية بمدرسة الأورمان بالجيزة، ورغم علاقتها الطيبة مع معلماتها وزميلاتها بالمدرسة في هذه المرحلة، إلا أنها تتحدث عن ذكريات مؤلمة بالنسبة لها، نظراً لقسوة معلمة اللغة الفرنسية في التعامل معها. وتتذكر نشاطها السياسي في المدرسة من خلال توزيعها لمجلة سياسية، والاشتراك في المظاهرات ضد الاحتلال، تأثراً بإحدى شقيقاتها، الناشطة السياسية آسيا النمر، وعملها مع الرائدات لطيفة الزيات وإنجي أفلاطون. اهتمت أيضاً في تلك المرحلة بالقراءة عن الأدب والفن بشكل عام، وفي مجال السياسة بشكل خاص. التحقت بعد ذلك بالثانوية الفنية. وتتذكر أنها كانت من الأوائل دائما خلال الفترة المدرسية، كما أنها شاركت في عدد كبير من الأنشطة الفنية، وتذكر أن الأميرة فايقة كانت هي المشرفة على جمعية “الهلال الأحمر”، وطلبت حضور الطالبة النموذجية، فقامت ناظرة المدرسة باختيارها ومعها زميلتها يلدز إسحاق، وقد شاركتا في الحفل من خلال بيع الورود وغيرها. درست أيضاً من خلال مشاركتها بأنشطة جمعية “الهلال الأحمر” الإسعاف والتمريض، كما تم تصويرها ونشر صورتها على غلاف مجلة “الشعب”، وكانت الأميرة فايقة تمنحها شارة “الهلال الأحمر”.
كانت رغبتها بعد ذلك هي دراسة الموسيقى فبدأت في تعلم البيانو. وتذكر أن الدكتورة رتيبة الحفني درَّست لها مادة الموسيقى في المدرسة، لكنها بعد ذلك أحبت مادة الرسم نظراً لتشجيع معلمة الرسم، الأستاذة دولت حسن، الدائم لها وحبها الشديد لها. وبدأ حبها ينمو تجاه الفنون التشكيلية، فقررت الانتساب للقسم الحر بمعهد الفنون الجميلة العالي للمعلمات ببولاق خلال المرحلة الثانوية لتتعلم الرسم، ثم التحقت بعد ذلك بالمعهد وتخرجت منه في عام 1955، وكانت من المتفوقات. وتتذكر بعض من أساتذتها بالمعهد، ومنهم الدكتورة عدالت كمال، والدكتورة تماضر النمرسي، التي درست لها مادة التشريح، والدكتور سعيد خطاب، والدكتور شفيق زرق.
ورغم نجاحها في مهنة التدريس، من خلال تدريبات المعهد، ومحبة الفتيات الشديدة لها، إلا أنها قررت العمل بعد تخرجها بمجال الصحافة في مجلة “الإذاعة والتلفزيون”، وكان رئيس تحريرها آنذاك الأستاذ حلمي سلام. ونظراً لحبها الشديد للرسم، الذي استكملت ممارستها له من خلال علمها بالصحافة، قامت برسم أغلفة المجلة. اقترح عليها رئيس التحرير محاولة العمل في مجال الكتابة الصحفية، وبالفعل قامت بالكتابة وتميزت بها، وكان أول موضوع تناولته بالكتابة هو “مشاكل زوجة الصحفي”، والذي التقت بسببه بزوجات الصحفيين، ومنهم إحسان عبد القدوس وزكي عبد القادر. عملت بعد ذلك بمجال الإخراج الصحفي في مؤسسة “دار الهلال”، وكانت أول سيدة تعمل بهذا المجال، وتذكر أن أول موضوع قامت بإخراجه صحفياً كان عن فرقة للفنون الشعبية الصينية. عملت بعد ذلك في “دار التعاون”، وكانت أول سكرتيرة تحرير تعمل في المطبعة. وقد عملت في مجلات متعددة، منها “التعاون،” و”نهضة أفريقيا”، وتتلمذت علي يد ثلاثة مؤسسين للإخراج الصحفي، هم الأساتذة عبد السلام الشريف، وحسن فؤاد، وعبد الغني أبو العينين. وعادت مرة أخرى للعمل بمجلة “الإذاعة والتلفزيون” كمستشارة فنية للمجلة. سافرت رعاية كذلك لألمانيا من خلال منحة بعثة الإعلام، بعد أن تم ترشيحها للسفر من قِبل المعهد الاشتراكي.
اهتمت رعاية بجمع التراث، وبدأت في العمل على جمع تراث محافظات مصر المختلفة، ولكنها وجدت التقارب والتشابه بين تراث بعض المحافظات المصرية وتراث دول أخرى مجاورة لها، مثل سيناء وفلسطين، ومرسى مطروح وليبيا، والنوبة والسودان، فقررت البدء في جمع التراث العربي. وقد شمل عملها في جمع التراث الأمثال الشعبية والمقولات والألفاظ لكل بلد، وأيضاً الملابس والصناعات والعادات والتقاليد وأغاني الأطفال.
تزوجت رعاية في عام 1963 من رفيق دربها الفنان الراحل عبد الغني أبو العينين، الذي جمعتها به قصة صداقة وحب طويلة وشاركها نفس الاهتمامات والشغف، وترجع له الفضل في تعليمها الكثير فيما يخص مجال الصحافة، وتتذكر كيف كان مسانداً وداعماً لها طوال حياتهما معاً، حتى أصبحا كياناً واحداَ، لا يذكر اسم أحدهما دون الآخر.
في عام 1967، عملت رعاية بالثقافة الجماهيرية، وكانت مسئولة عن أول وحدة ثقافية يتم انشاؤها في قصر ثقافة قرية “كفر الشرفا”، كما تولت رئاسة قصر ثقافة الجيزة، لتصبح أول سيدة تتولى رئاسة وحدتين في ذات الوقت.
قامت رعاية بوضع حجر الأساس لمتحف الفنون الشعبية. كما قامت بإنشاء متحف في سيوة مع زوجها الفنان عبد الغني أبو العينين، بالتعاون مع هيئة المعونة الكندية، التي شجعت إنتاج الصناعات اليدوية. وقامت أيضاً بعمل مهرجان للأزياء في بغداد في عام 1984. كما قامت بتمثيل مصر في مهرجان فني بمحافظة مورسيا بإسبانيا، كممثلة لوزارة الثقافة. كذلك قامت بتأسيس “الجمعية المصرية للفنون الشعبية،” بالاشتراك مع عدالت كمال، والدكتور عبد الرازق صدقي.
اهتمت رعاية بشدة بالقراءة والتعلم في مجالات عديدة، وخاصة مجال علم النفس. كما اهتمت إلى جانب ذلك بالقراءة في الأديان وعقد المقارنات بينها، وترى أن كافة الأديان اتفقت على رسالة واحدة وهي منع الظلم، وهي الفكرة التي شغلتها وكانت محركاً أساسياً لها طوال حياتها.
ترى رعاية الإنسان كشجرة لا يمكنها الانفصال عن جذورها وإلا انهارت، وتلك الفكرة كانت أساس اهتمامها بمعرفة التاريخ والتراث والأصول. وترى أن الفنون والتراث الشعبي يقومان بتلخيص ثقافة ومعتقدات وتاريخ كل شعب.