فايزة هيكل
أستاذة جامعية، وعالمة آثار
في هذه المقابلة تتحدث الدكتورة فايزة هيكل، رائدة علم الآثار في مصر والأستاذة الجامعية وعالمة الآثار، عن مسيرتها مع التعليم والعمل والتي بدأت بالتحاقها بمدرسة الليسيه الفرنسية، ثم دخولها إلى قسم الآثار بكلية الآداب في جامعة القاهرة، حتى حازت على درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد بإنجلترا. كذلك أسست مشروع لإنقاذ آثار النوبة، كما أسست قسم الآثار المصرية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
ولدت فايزة هيكل بمنطقة الدقي، في ظل أسرة تكونت من أربع شقيقات أخريات وشقيقين، ووالدتها التي تعلمت في مدارس الراهبات ولكنها لم تستكمل دراستها واهتمت بالعمل الاجتماعي والخيري، ووالدها الدكتور حسنين هيكل، وكان وزيراً للمعارف آنذاك. التحقت في البداية بمدرسة الليسية الفرنسية، وكانت في ذلك الوقت للبنات فقط وتعمل تحت إدارة فرنسية وتتبع الحكومة الفرنسية، وكان التحاقها بهذه المدرسة بناء على قرار مشترك بين والدها ووالدتها لما وجداه بالمدرسة من تشجيع على استقلال الطالبات. ورغم تعليمها الأجنبي، إلا أن أسرتها حافظت على التقاليد المصرية بشكل كامل، كما اهتمت أسرتها أيضاً بمعرفتها القوية للغة العربية. استكملت دراستها بالمدرسة حتى حصلت على شهادة البكالوريا الفرنسية. تتحدث عما رأته من اهتمام استثنائي بالتعليم في ظل أسرتها، وترجع جزء كبير من ذلك الاهتمام إلى شخصية والدها، فتقول عنه: “أنا والدي الله يرحمه كان سابق زمنه في حاجات كتير جداً في التفكير وفى حرية إن تربية البنت زي تربية الولد وقيمتهم واحدة لازم تتربى زيه مش حسب إذا كانت بنت ولا ولد إنما حسب قدراتها الذهنية”.
التحقت بعد ذلك بالجامعة، واختارت قسم الآثار في كلية الآداب بجامعة القاهرة، التي تخرجت منها في عام 1960. وخلال السنة الأولى من دراستها الجامعية، حصلت على شهادة معادلة باللغة العربية حتى تتمكن من الحصول على شهادة الجامعة. وتذكر أن عدد الطلبة في دفعتها كان حوالي 6 فقط، مما ساعد على التواصل المباشر مع الأساتذة واهتمامهم بكل طالب على حدة. وتتذكر بداية اهتمامها وشغفها بالآثار، حيث كانت شقيقتها الكبرى، وكانت فنانة تشكيلية، تصحبها لزيارة المتاحف والآثار. اهتمت كذلك بالجوانب الأدبية بشكل عام، وأحبت القراءة والفن، كما تقول: “أنا ربنا إداني أكتر ما إدى غيري إداني إمكانية علم كبيرة. أنا جاية من أسرة البيت مليان كتب، فكرة الكتاب دي مغروسة فيه غصب عنى”. كما أحبت أيضاً عدداً من الرياضات، ومنها السباحة وكرة اليد.
بعد انتهاء دراستها الجامعية تم تعيينها بالجامعة كمعيدة، كما عملت بمصلحة الآثار لمدة عام. وسافرت خلال فترة عملها بالمصلحة للعمل في مشروع إنقاذ آثار النوبة، وكانت المرأة المصرية الأولى التي عملت في ذلك المشروع. كما أدت امتحان الحصول على تمهيدي الماجستير، ثم سافرت مباشرة إلى أكسفورد بإنجلترا لمدة 4 سنوات للحصول على شهادة الدكتوراه، والتي كان يشترط للحصول عليها السفر في بعثة، ولا يشترط الحصول على درجة الماجستير. عاشت في أكسفورد في منزل أستاذة للغة الإنجليزية كانت تقوم بالتدريس في نفس الجامعة، والتي أصبحت صديقة لها فيما بعد. حصلت بالفعل على الدكتوراه في عام 1965، وكانت مرة أخرى السيدة المصرية والشرقية الأولى التي تدرس الآثار في جامعة أكسفورد، والأولى التي تحصل على دكتوراه في الآثار.
ترى فايزة أن فترة عملها بالنوبة ومن بعدها سفرها إلى إنجلترا شكلا عاملاً مؤثراً في شخصيتها وبداية استقلالها، رغم قسوة الحياة بمفردها، وخاصة مع وفاة والدها بعد التحاقها بالجامعة بعام واحد. لكنها ترى أن الفتاة يجب أن تمر بتجربة الحياة بمفردها قبل الزواج، وأن ذلك يساعدها في بناء شخصية مستقلة وقوية، وكما تقول: “لازم يكون ليكي شخصية قوية، وفي نفس الوقت تعرفي إمتى تكوني مرنة…. إزاي تكوني شخصية قوية لو ما كنتيش جربتي الحياة، لازم تكوني جربتي إنك تشيلي المسئولية”.
بعد عودتها من إنجلترا، عادت للتدريس بالجامعة مرة أخرى، واستمرت بها حتى أصبحت أستاذة الآثار في عام 1984. وتتحدث عما لاقته من اهتمام وتشجيع من أساتذتها السابقين خلال فترة عملها، وهو نفس الاهتمام والتشجيع الذي حرصت على تقديمه لطلبتها فيما بعد، فتقول: “التعامل اللي اتعاملت بيه وأنا أحب زي ما عوملت أعامل تلامذتي. الحمد لله صلتي بتلامذتي اللي كانوا في جامعة القاهرة هايلة أعتبرهم ولادي، وفعلاً إن كبر أبنك خاويه”. استمرت في عملها حتى تحول قسم الآثار إلى معهد الآثار، ثم إلى كلية الآثار، وانفصل بالكامل عن كلية الآداب. وتمت إعارتها في عام 1984 إلى الجامعة الأمريكية لتبدأ في تأسيس قسم الآثار المصرية بها، واستمرت في العمل بها لمدة 5 سنوات. وبعد الانتهاء من سنوات الإعارة، قررت الاستمرار بالجامعة الأمريكية، ولكنها ظلت على علاقة قوية بجامعة القاهرة وبزملائها وطلبتها السابقين.
تذكر فايزة هيكل أنه خلال فترة دراستها للدكتوراه سافرت إلى فرنسا للعمل على برديات في متحف اللوفر، وهي الفترة التي التقت فيها بالدكتور محمد عبد الحليم محمود، وكان يعمل بوزارة الخارجية وتمت خطبتهما في فرنسا، ثم زواجهما بعد ذلك في القاهرة، ورزقا بولد وبنت. وتتحدث عن علاقتها بحميها شيخ الأزهر عبد الحليم محمود، وكيف تأثرت به أيضاً، وعنه تقول: “اتعلمت منه حاجات كتير، لأني اللي ملحقتوش مع والدي، لأن زي ما قولت لك كان عمري 18 سنة، الاعتزاز بالنفس والثقة والإيمان القوي جداً…. والكرم وإن بيته وحاجته للناس”. عاشت خلال فترة زواجها في غينيا لمدة 3 سنوات بسبب عمل زوجها الذي توفي في سن صغيرة، وتحملت مسئولية تربية أبنائها بمفردها.
تحدثت عن رأيها في الحركة النسوية المصرية وإعجابها بها وبالسيدات المصريات بشكل عام. وترجع بعض التناقضات التي تراها في تعامل المجتمع إلى غياب العقل النقدي، فكما تقول: “العقل النقدي هو الطريق الوحيد للبقاء، لبقاء الإنسان كأفضل، يجب أن يكون عندك عقل نقدي واحترام لنفسك”.
تفتخر فايزة هيكل بريادتها في مجال الآثار كسيدة مصرية، وبتربتيها على تقديس العمل واحترامه، وبشغفها الذي لم يتوقف على مدار حياتها بالعلم والمعرفة بشكل عام، فكما تقول: “أنا أكتر حاجة حاجة أتمنى إن كل واحد يعلمها لأولاده حب الاستطلاع، مش بس في العلم اللي هو متخصص فيه، في كل حاجة. لما تحبي تتعلمي وتحبي تعرفي دي متعة تخليكي باستمرار مبهورة لأنك باستمرار بتتعلمي حاجة ما إنتيش عارفاها. أنا دلوقتي في سني ده برضه لما بشوف حاجة أنا مش فاهماها خالص بأبقى مبهورة، بأتمتع بيها. الواحد لما بيتعلم حاجات باستمرار ونفسه إنه يتعلم، طول ما نفسه يتعلم يبقى عايش، أما لو ما نفسوش يتعلم أنا بأعتبره ميت… بأعتبر إن العجز بيبتدى يوم ما إنتى مش عاوزه تتعلمي أو تعرفي حاجة خالص”.










