في هذه المقابلة تتحدث إجلال السباعي، معلمة الجغرافيا وإحدى رائدات التعليم وعلوم الجغرافيا ومؤلفة كتاب الأطلس المدرسي، عن مسيرتها مع التعليم والعمل التي بدأت بالتحاقها بالمدرسة الإنجيلية الإنجليزية في المرحلة الابتدائية، ثم التحاقها بمدرسة حلوان الثانوية، وكيف حازت علي أعلي درجة في مادة الجغرافيا في الثانوية على مستوي الجمهورية مما أهلها للالتحاق بقسم الجغرافيا في كلية الآداب بجامعة القاهرة. التحقت بعد ذلك بكلية التربية ليتم تأهيلها للعمل بمجال التدريس. ثم حصلت بعد ذلك على درجة الماجستير في الجغرافيا من معهد الدراسات الأفريقية.
ولدت إجلال السباعي بالقاهرة، وكانت الأخت الكبرى لثلاث أشقاء وشقيقة صغرى في ظل أسرة متفتحة مهتمة بالتعليم. التحقت بمرحلة الروضة والتي استمرت لمدة 3 سنوات، وهي المرحلة التي ترى أن لها التأثير الأكبر على تنمية شخصيتها واهتماماتها فيما بعد لما وجدته فيها من اهتمام بالهوايات وتنمية القدرات إلى جانب التعليم. التحقت بعد ذلك بالمدرسة الإنجيلية الإنجليزية المشتركة لمدة 4 سنوات، وكانت تابعة لإرسالية إنجليزية تتكون من ناظرة إنجليزية مقيمة بالمدرسة ومدرسات إنجليزيات أيضاً. ثم التحقت بالقسم الداخلي بمدرسة حلوان الثانوية لمدة 5 سنوات. وتذكر أن التحاقها بمدرسة داخلية قد سبب معركة كبيرة داخل عائلتها، وخاصة أعمامها، ولكن والدها ومعه والدتها أصرا أن تستكمل دراستها. كان ذلك في فترة الأربعينيات بالتزامن مع الحرب العالمية، وتتذكر المصاعب التي واجهتها في تلك المرحلة وعدم الشعور بالأمان بسبب الاستعمار البريطاني، وكما تقول: “كانت البلد كلها ملغمة بالقوات الإنجليزية والقوات الإنجليزية ما كانتش إنجليز، كانت مرتزقة بحيث إن كان المشي في الشوارع يخوف…. ما كانش فيه أمان، وبعدين كان برضه مع ظروف الحرب والغارات، فإحنا كان فيه مخبأ في المدرسة تحت جنينة برة تحت الأرض، ساعة ما تضرب الغارة ونكون نايمين، بمنتهى الهدوء والنظام، المشرفة تقومنا من السراير ننزل نتكلفت بالأرواب، وننزل ومعاها فانوس تدخلنا المخبأ لغاية ما تخلص الغارة نرجع تاني. ونبقى سامعين الضرب والحاجات دى كلها ما هي حرب”. وتذكر مدرساتها اللاتي تأثرت بهن في هذه المرحلة وكن السبب في حبها لمادة الجغرافيا، ومنهن زينب الأتربي وكوكب مينا. كما تذكر وجود جمعيات متعددة للأنشطة داخل المدرسة، ومنها جمعية الخطابة والشعر واللغة الإنجليزية. اهتمت إجلال بالعمل السياسي إبان فترة المدرسة عبر المشاركة في إضرابات بقيادة مدرسة التاريخ الرائدة حكمت أبو زيد التي تقول عنها: “كانت بتدرس لنا تاريخ، وكانت وطنية من الطراز الأول… وكانت دايماً تلبس فستان أخضر، عشان كان هو ده لون علم مصر، العلم كان أخضر وقتها وفيه الهلال، فكان فستانها الأخضر ده على طول لا يتغير”. استمر نشاطها السياسي فيما بعد أثناء مرحلة الجامعة عبر المشاركة في إضرابات ضد الاستعمار الإنجليزي.
التحقت بعد ذلك بقسم الجغرافيا بكلية الآداب بجامعة القاهرة وتخرجت منه في عام 1949، ثم التحقت بكلية التربية ودرست بها لمدة عامين لتحصل على ما يعادل درجة الماجستير في التربية في عام 1951، وذلك لكي تتمكن من العمل كمعلمة، وكان مجال التدريس هو المجال المتاح للفتيات في ذاك الوقت كما تقول. حصلت في نفس الوقت أيضاً على ماجستير الجغرافيا من معهد الدراسات الأفريقية في عام 1951، ثم تزوجت في عام 1952 من زميلها في مرحلة الدراسة الجامعية الأستاذ محمد صبحي عبد الحكيم، الذي أصبح بعد ذلك معيداً بالجامعة.
بعد انتهاء دراستها الجامعية تم تعيينها في كلية البنات بالزمالك، وكان التعليم بها من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية، وملحق بها معهد للأمومة والطفولة. وظلت بها لمدة عامين، ثم انتقلت في عام 1952 إلى مدرسة الأميرة فوزية بمنطقة السبتية واستمرت في التدريس بها حتى عام 1959. انتقلت بعدها للعمل بمدرسة مصر القديمة الثانوية للبنات، ولكن نظراً لبعض الخلافات بيها وبين ناظرة المدرسة، عادت بعد 8 شهور فقط للعمل مرة أخرى بمدرسة الأميرة فوزية ودرست بها حتى عام 1967. أحبت إجلال التدريس نظراً لحبها لمادة الجغرافيا، واهتمت بطالباتها وأحبتهن وأحببنها رغم حزمها الشديد، حتى أن بعضاً منهن تخصصن في الجغرافيا وتدريسها فيما بعد، وظلت على علاقة طيبة ووثيقة ببعضهن بعد مرور عشرات السنين. أنشأت بالمدرسة جمعية للجغرافيا، وأقامت الجمعية العديد من المعارض، وساعدت هذه الأنشطة الطالبات على الابتكار والاهتمام بمادة الجغرافيا وحبها.
سافرت بعد ذلك إلى روسيا مع زوجها، نظراً لعمله كمستشار ثقافي، وظلت بها لمدة 3 سنوات، وفي هذه المرحلة أقامت مدرسة هناك وشغلت منصب المديرة. ولدى عودتهما من روسيا، عملت في ديوان الوزارة لدى مركز البحوث التربوية، والذي بدأ كإدارة من إدارات الوزارة تم تحول لمركز مستقل. تخصصت بعد ذلك في البحث العلمي في مجال التربية وفي الجغرافيا خاصة. قامت بتغيير المناهج والكتب المدرسية وتعديلها وتقييمها، وشغلت بالمركز منصب رئيسة قسم دراسات الجغرافيا ثم أصبحت مديرة المركز. تعتز إجلال بعملها البحثي الذي أعطاها الفرصة لتطوير المادة العلمية وتنقيحها، والعمل على أن تكون مواكبة لعصرها. ولم تكن فكرة تأليف الكتب والمناهج بجديدة عليها، فقط قامت بتأليف العديد من الكتب قبل فترة عملها بالمركز، عن طريق فوزها بمسابقات تنظمها الوزارة لإعداد المناهج لبعض السنوات الدراسية. سافرت خلال عملها بالمركز في منحة لزيارة عدد من الجامعات بالولايات المتحدة الأمريكية.
لم تشعر إجلال في أية لحظة من اللحظات بوجود تعارض بين عملها وإنجازها العلمي وبين اهتمامها بمنزلها وبناتها الاثنتان، وتفتخر بما قامت به من إنجازات على الصعيدين العملي والخاص.
خلال رحلتها لم ينقطع حبها وشغفها بمادة الجغرافيا والتي كانت تراها “علم العلوم”، كما كانت ترى أن الجغرافيا يجب أن تدرس ضمن المواد العلمية وليس الأدبية، حيث إنها تضم كافة فروع العلم والمعرفة، فكما تقول: “الجغرافيا دى علم المفروض إنها تكون تضاف، مش تحمساً، للعلوم للمواد العلمية. وهي في الجامعات برة وفى الكليات وفى المدارس تحتسب على إنها مادة علمية، والتاريخ مادة أدبية. أنا قد ما الجغرافيا ما هي في دمى وفى حياتي، قد ما التاريخ ده لا أعرفه، ولا أستطيع إن أنا أستوعبه لأني أنا نشأت على إن أنا أحلل الحاجة، وأعرف أصولها إيه وأولها إيه، لحد ما أقدر أستوعبها ودي الطريقة اللي أتربينا بيها في ابتدائي”.
37498197(202)+
37497527(202)+
12 شارع سليمان أباظة، الدقي – الجيزة.