في هذه المقابلة تتحدث الدكتورة إخلاص عزمي، أستاذة الأدب الإنجليزي، عن نشأتها في ظل أسرة مستنيرة، ورغبة والدها في استكمال تعليمها. درست في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً) وتخرجت في عام 1943، ثم حصلت على الماجستير من إنجلترا في عام 1949، ثم الدكتوراه من جامعة عين شمس بمصر في عام 1960. قامت بالتدريس في مدرسة السنية، ثم بالقسم الإنجليزي بكلية التجارة، حتى أصبحت رئيسة للقسم، كما قامت بالتدريس في كلية الآداب.
ولدت إخلاص في بيت العائلة بحي الحلمية الجديدة، الذي كان أحد الأحياء الراقية والهادئة جداً، وتتحدث عما لحق بالحي من تدهور في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات، وما شهده من تغير في أسلوب المعمار والبناء وضيق الطرق وتحوله لحي شديد الازدحام. تكونت أسرتها من شقيقة وشقيقين، وكان والدها يعمل مديراً لمصلحة التنظيم بالقاهرة، كما عمل مديراً لمصلحة الجمارك بالإسكندرية، وتصفه بأنه كان رجل محب للقراءة، شديد الاستنارة، ومؤمن بأهمية تعليم المرأة، على الرغم من عدم استكمال أي من الفتيات بأسرته لتعليمها، وتُرجع إليه الفضل في تنمية حبها للقراءة، وللأدب العربي والإنجليزي، وتتذكر أنه في مرحلة دراستها الثانوية، اشترك لها في دار الكتب، حتى تتمكن من استعارة الكتب وقراءتها، فقرأت في تلك المرحلة لمصطفى لطفي المنفلوطي، وطه حسين، والجاحظ، وغيرهم. أما والدتها، فكانت سيدة مثقفة، واعية، محبة للقراءة، ومهتمة أيضاً بالتعليم.
بدأت دراستها وعمرها 4 سنوات بالالتحاق بروضة مختلطة لمدة عامين، وكانت ناظرتها إنجليزية الجنسية، أما المدرسات فكن مصريات. وتتذكر أن التعليم في هذه المرحلة كان يتم عن طريق الألعاب والمسرحيات المصغرة. التحقت بعد ذلك بمدرسة الحلمية للبنات، ثم انتقلت إلى مدرسة بالإسكندرية بسبب عمل والدها هناك. كانت مدة الدراسة بالمرحلة الابتدائية 6 سنوات، وتتذكر أنه قبل الحصول على الشهادة الابتدائية كان يتم امتحان الطلاب شفاهياً وأمام لجنة، في اللغتين العربية والإنجليزية.
عادت بعد ذلك مع أسرتها مرة أخرى إلى القاهرة، والتحقت بمدرسة السنية الثانوية، وكانت ناظرة المدرسة آنذاك إنجليزية، تصفها بأنها كانت في منتهى الشدة والحزم مع الطالبات. كانت مدة الدراسة بالمرحلة السنوية 4 سنوات للحصول على شهادة الثقافة، ثم سنة واحدة للحصول على الشهادة التوجيهية. اتبعت المدرسة نظام اليوم الكامل، حيث يتم يومياً تقديم وجبة الغداء للطالبات داخل المدرسة. وتذكر أن الدكتورة لطيفة الزيات كانت إحدى زميلاتها بالدراسة، وتتذكر كيف كانت تقف فوق المقاعد المدرسية لتهتف بسقوط الاستعمار، دون تدخل من ناظرة المدرسة الإنجليزية. توفي والدها وهي في المرحلة الثانوية، وأصرت والدتها على أن تستكمل تعليمها الجامعي، وعلى أن تحقق ما كان والدها يطمح له.
كانت رغبة إخلاص هي دخول قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، احتذاءً برائدة الصحافة أمينة السعيد، التي اتخذتها مثلاً أعلى لها، وكانت قد سبقتها في الالتحاق بقسم اللغة الإنجليزية، وهي لازالت طالبة بالمرحلة الثانوية. ، ورغم حصولها على أعلى درجة في القطر المصري في مادة الجغرافيا، ألا أنها أصرت على تحقيق حلمها ودراسة الأدب الإنجليزي.
في عام 1939، التحقت بالفعل بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول. وتتذكر بعض زميلاتها اللاتي التحقن بالجامعة في عدد من الكليات المختلفة، ومنهن بثينة عبد الحميد، والإعلامية تماضر توفيق، والإعلامية صفية المهندس، والدكتورة نور شريف، التي أصبحت رئيسة لقسم اللغة الإنجليزية بجامعة الإسكندرية فيما بعد. وتذكر أنه في بداية دراستها الجامعية، كان جميع أساتذتها في القسم من الأجانب، حتى بدأ بعض الأساتذة المصريين في التدريس، ومنهم الدكتور لويس عوض، والدكتور أمين روفائيل. كما درس لها بعض الأساتذة المصريين من أقسام الجغرافيا والتاريخ والفلسفة واللغة العربية بكلية الآداب. تتذكر الأنشطة في المرحلة الجامعية، ومنها الرحلات التثقيفية، كذلك عرض أفلام أسبوعياً في قاعة الاجتماعات بالجامعة، وكان سعر تذكرة المشاهدة 15 قرشاً. كذلك تحدثت عن المكتبة العامة، وكيف كانت مليئة بالكتب الهامة. وتتذكر أنه قد تم إعفاءها وعدد من الطالبات من دفع الرسوم الدراسية رغبةً في تشجيع الفتيات على التعليم في هذه الحقبة، ولكن كان عليهن شراء الكتب من مالهن الخاص. كما تتذكر أنها شاركت خلال مرحلة الدراسة الجامعية في مظاهرات ضد الاحتلال، ولكن كانت جميعها داخل الجامعة.
تخرجت من الجامعة في عام 1943، والتحقت بعد ذلك بمعهد التربية العالي لكي تتأهل للتدريس، ونالت المرتبة الأولى في المعهد في عام 1945، وكانت العميدة في ذلك الوقت أسماء فهمي. وفي عام 1946، حصلت على بعثة من وزارة التربية والتعليم، هي وزميلتها الدكتورة بثينة عبد الحميد، لدراسة الماجستير في جامعة شيفيلد البريطانية، وتذكر أن السفر آنذاك كان عن طريق البحر. تحدثت عن الصدمة الحضارية التي مرت بها، وكيف كانت فكرة الشعب الإنجليزي عن المصريين غير صحيحة، وتعجبهم من قدرتها على التحدث باللغة الإنجليزية. حصلت على درجة الماجستير وكانت رسالتها عن “جورج إليوت”، ثم عادت مرة أخرى إلى مصر في عام 1949.
بعد عودتها، تم تعيينها مدرسة بمدرسة السنية، ولكنها لم تستطع الاستمرار بها، نظراً لأن المادة العلمية التي درستها اقتصرت على تعليم اللغة، ولم تتح لها الفرصة لتدريس الأدب الإنجليزي. حاولت أن تعمل بالتدريس في الجامعة، وبالفعل بدأت في التدريس بالقسم الإنجليزي بكلية التجارة بجامعة القاهرة. تتذكر أن جميع الأساتذة كانوا من الرجال الإنجليز، وكانت هي الفتاة الوحيدة، وتذكر كيف جاء الطلبة من جميع كليات الجامعة لمشاهدة تلك الفتاة التي تدرس في كلية التجارة. وفي عام 1951، وبعد خروج الأساتذة الإنجليز من الجامعة، قام الدكتور حسين كامل سليم، عميد كلية التجارة، بتكليفها بإنشاء ورئاسة القسم الإنجليزي الجديد بالكلية. وتذكر كيف قامت في تلك الفترة بإنشاء فرقة فنية من الطلاب، تقوم بأداء حفلات بالأوبرا ومسرحيات.
انتقلت عام 1953 للتدريس بكلية الآداب، جامعة عين شمس، التي كانت تحت الإنشاء، وكان معها زميلاتها الدكتورة دولت صادق، والدكتورة ماري فهمي. كما أصبحت أمينة مكتبة كلية الآداب، وبناء عليه سافرت في بعثة تابعة للجامعة لمدة 10 أيام بغرض الاطلاع على المكتبات في ألمانيا وبريطانيا. وفي عام 1960، حصلت على شهادة الدكتوراه من كلية الآداب بجامعة عين شمس.
تحدثت إخلاص عن الأحدات السياسية المختلفة التي مرت بها مصر، مثل ثورة 1952، وحرب 1967، وغيرهما من الأحداث، وعن رؤيتها لهذه الأحداث ورأيها فيها. وتذكر أنه تم تشكيل عدة لجان لمراقبة الأوضاع والتطورات داخل الجامعة في أعقاب النكسة، وكانت هي عضوة في إحدى هذه التنظيمات. كما تذكر مشاركتها مع عدد من أساتذة الجامعة، مثل الدكتور فؤاد زكريا، في إصدار بيان، احتجاجاً على عدم الحسم في وجود اليهود في الضفة الشرقية، فيما عُرف بعام الحسم سنة 1971.
37498197(202)+
37497527(202)+
12 شارع سليمان أباظة، الدقي – الجيزة.