في هذه المقابلة تتحدث إعتدال فرج، إحدى رائدات التعليم، عن مسيرتها مع التعليم والعمل، حيث عملت كناظرة مدرسة، وقامت بافتتاح عدة حضانات للأطفال. اهتمت بالتربية والرسم والأطفال. كما حرصت على تنمية جميع الجوانب لدى الأطفال والتلاميذ.
ولدت إعتدال في شارع مدبولي بمنطقة عابدين بالقاهرة، وكان منزلها خلف سرايا عابدين مباشرة، وتتذكر أنها كانت ترى جانب من حديقة السرايا من فوق سطوح المنزل. تتحدث عن مشوارها التعليمي، وإصرار والدتها على أن تستكمل تعليمها، وحرصها على أن تتفرغ لدراستها، وعلى أن تتلقي تعليماً عربياً يمكنها من المشاركة الفاعلة في الحياة، ويمنحها الخبرة الحياتية، الأمر الذي لم تحظ هي به نظراً لتعليم الراهبات الذي كانت ترى أنه لم يكن مفيداً لها على مستوى حياتها الاجتماعية، حيث تلقت والدتها تعليماً فرنسياً في مدرسة البومباستير في شبرا، ولكنها لم تستكمل دراستها وتزوجت من والدها الأستاذ فرج عزيز المحامي، الذي حرص أيضاً على استكمالها للتعليم، رغم أن المعتاد آنذاك مع أغلب بنات عائلتها هو الدراسة لسنوات قليلة، وبعدها يتم ترك الدراسة للزواج، ولكنه أصر على الابتعاد بها عن ذلك، وحرص على عدم اختلاطها بالفتيات اللاتي لم تستكملن دراستهن حتى لا تتأثر بهن.
التحقت في البداية برياض الأطفال بمدرسة محمد علي الملكية التابعة للخاصة الملكية، وكانت مدة الدراسة بها أربع سنوات. تتذكر أن المدرسة كانت تتسم بالحزم وبالتعليم المتميز أيضاً. استمرت بالمدرسة في المرحلة الابتدائية، وكانت مدرسات المواد الإنجليزية إنجليزيات الجنسية، أما ناظرة المدرسة فكانت مصرية. استمرت في المرحلة الابتدائية لمدة أربع سنوات أخرى، وتتذكر تأثرها بمدرسة مادة العلوم، وكذلك مدرس اللغة العربية الشيخ “عبيد”، الذي تتذكر ارتداءه للجبة والقفطان، وكيف أنه جعل اللغة العربية مادة سلسلة، نظراً لاستعانته الدائمة بالقصص والحكايات في شرح المادة، كما تتذكر خطه الجميل في الكتابة. تتذكر أيضاً زميلتها في الدراسة الأستاذة بديعة سليمان التي عملت بمجال التدريس، ثم الإدارة، حتى أصبحت وكيلة وزارة فيما بعد، واستمرت صداقتهما لسنوات طويلة.
التحقت بعد ذلك بالمرحلة الثانوية في مدرسة السنية، وكان اختيار المدرسة وفقاً لمحل السكن. كانت ناظرة المدرسة إنجليزية تدعى مس “راين”، وتتحدث اعتدال عن دورها التربوي والتعليمي الذي ساهم كثيراً في تكوينها. تتحدث أيضاً عن التأثير السلبي لفكرة الاستعمار على علاقة بعض زميلاتها مع المدرسات الإنجليزيات آنذاك، وكيف اعتادت بعض التلميذات التسبب في المضايقات لهن. استمرت بالمدرسة حتى حصلت على شهادة الثقافة العامة بعد أربع سنوات، وفي السنة الخامسة حصلت على الشهادة التوجيهية. وترى أن التعليم في كافة المدارس التي التحقت بها كان تعليماً جاداً وقوياً، وأنها استفادت منه بشكل حقيقي في حياتها العملية.
التحقت بعد دراستها الثانوية بمعهد رياض الأطفال، بعد نجاحها في اجتياز المقابلة الأولية لدخول المعهد، وكان اختيارها أسوة بصديقتها بديعة سليمان، التي سبقتها في الالتحاق بالمعهد وحدثتها عن تميز الدراسة به. أحبت الدراسة بالمعهد نظراً لحبها للرسم والأشغال اليدوية والموسيقى. تعلمت بالمعهد علم نفس الأطفال، وأيضاً الطرق الخاصة بتدريس كل مادة علمية. تلقت مادة التربية العملية بمدرسة قصر الدوبارة، التي اعتبرتها نموذجاً يحتذى به فيما يخص رياض الأطفال. وتتذكر بعض من الرائدات اللاتي درسن لها بالمعهد واللاتي كن من الأوائل على الدفعات العائدة من بعثات الدراسة بالخارج، ومنهن إحسان هدايت، وسمية فهمي، وفتحية سليمان، وزكية عزيز.
تتذكر صعوبة السيطرة على الأطفال في البداية، وكيف استطاعت التعامل مع ذلك عن طريق ابتسامها الدائم للأطفال، وكيف أشادت إحدى المشرفات بطريقتها وقدرتها على السيطرة على الأطفال بالابتسام الدائم لهم. وتتذكر أن زميلتها نوال عيسى حصلت على بعثة للدراسة بالخارج، نظراً لكونها الأولى على الدفعة.
تخرجت من المعهد في عام 1944، وكانت قد أحبت التدريس وأحبت الأطفال بشدة، وتم تعيينها بعد انتهاء الدراسة في رياض الأطفال الملحقة بالمرحلة الابتدائية بمدرسة كوبري القبة، التي تتذكر أنها كانت مدرسة شديدة التميز.
في تلك المرحلة بدأت وزارة التربية والتعليم في إنشاء عدد من الحضانات، وتتذكر أول حضانة قامت بإنشائها بتكليف حكومي في أعقاب ثورة 1952، وكانت في شارع الأهرام بمنطقة مصر الجديدة. وتتذكر أن الحضانة كانت عبارة عن فيلا لها حديقة كبيرة، وكانت حضانة نموذجية. تم تعيينها في منصب ناظرة الحضانة. بعد ذلك تركت الحضانة نظراً لبعض المشكلات التي واجهتها بها، وانتقلت للعمل بحضانة أخرى. تتذكر أنه بعد ذلك قامت الوزارة بإلغاء رياض الأطفال، فانتقلت للعمل بمدارس ابتدائية وإعدادية، حيث واصلت عملها كناظرة. وتتذكر اهتمامها وخوفها الشديدين على الطالبات خاصة في المرحلة الإعدادية، لدرايتها بسن المراهقة وصعوبته وخطورته أيضاً. تتحدث عن نجاحها بالعمل كناظرة، واعتمادها على الحزم ولكن مع المرونة والصداقة واللين في نفس الوقت، وتعاملها مع المدرسين والمدرسات كأسرة واحدة. وتدين بالفضل لإحدى ناظرات مدرسة كوبري القبة لما اكتسبته منها في كيفية التعامل مع هيئة التدريس والموظفين، وكيف حافظت على علاقة طيبة ووثيقة معهم حتى بعد تركها للعمل.
تزوجت إعتدال في عام 1949 من ضابط جيش، وكان أحد أصدقاء زوج صديقتها بديعة سليمان. وتتذكر اعتراض والدة زوجها في البداية على زواجه منها، لعدم تقبلها كونها متعلمة ولديها وظيفة، وتذكر أن رد زوجها آنذاك أن قال لوالدته أنه بعد جيل أو اثنين، لن تكون هناك فتيات غير متعلمات أو بدون عمل. وتصف زوجها بأنه كان واسع الأفق ومتعاوناً وشديد التحضر. أنجبت منه ولدين وبنت، وتوفي بسبب مرضه في عام 1970، وكان عمره 47 عاماً فقط. وتتذكر المشاق والصعاب التي واجهتها نظراً لتحملها وحدها مسئولية أبنائها إلى جانب عملها.
اختتمت مسيرتها الوظيفية كرئيسة قسم، وكانت مهمتها الأساسية القيام بالإشراف على المدارس. واختارت بعد ذلك أن تحال للمعاش وعمرها 58 عاماً.
تفتخر إعتدال بالطالبات اللاتي درست لهن، وكيف وصل عدد كبير منهن لمناصب متميزة، وأنها أخرجت إلى الحياة أجيالاً تعتبرها من الأجيال شديدة التميز، كما تعتبر نجاحهن هو حصيلة عملها وما قدمته، أيضاً تفتخر بقدرتها على الوصول بأبنائها لبر الأمان، على حد قولها، بعد وفاة والدهم المبكرة. كما تفخر بصداقاتها التي استمرت مع من عملوا معها، التي قامت على الحب والإخلاص دون أية مصلحة، فقط العشرة والمودة والتراحم.
37498197(202)+
37497527(202)+
12 شارع سليمان أباظة، الدقي – الجيزة.