في هذه المقابلة تتحدث ثريا الشافعي، إحدى رائدات التعليم، عن نشأتها في أسرة حرصت على تعليم البنات، واستكمالها لدراستها حتى حصلت على شهادة البكالوريا من مدرسة “حلوان الثانوية”، ثم التحقت بكلية التربية، ثم حصولها على ماجستير في التربية من جامعة إنديانا. شاركت في الناشط الطلابي المناهض للاستعمار. كما عملت في عدة بلدان عربية في مجال التدريس والإشراف، من ضمنها العراق والسعودية وليبيا. وكانت عضوة مؤسسة في “جمعية الشابات المسلمات” في المنيا.
تحدثت ثريا عن تاريخ أسرتها، وعن اهتمام جديها بتعليم البنات، وذكرت قيام جدها لوالدها بالسفر إلى فرنسا من أجل العلم، وإرساله لشقيقته منتهى هانم الشافعي لكي تستكمل تعليمها بفرنسا، وكانت أول فتاة مصرية تسافر لتتعلم في فرنسا وتقوم بالتدريس لأبناء الخديوي بعد عودتها. تحدثت كذلك عن جدها لوالدتها الذي كان موظفاً كبيراً بوزارة المالية، وذكرت أنه أرسل والدتها التي ولدت في عام 1882 إلى “مدرسة السنية” في زمن لم ينتشر فيه تعليم البنات، لتتعلم القراءة والكتابة واللغة الإنجليزية.
في بادئ الأمر، التحقت ثريا بمدرسة إيطالية في نفس المنطقة السكنية التي نشأت بها، وهي منطقة مصر الجديدة، ولكنها لم تستمر بها نظراً لشعورها بالتمييز ومحاباة الطالبات الأجنبيات، وطالبت بنقلها من تلك المدرسة، والتحقت بمدرسة “سان فامي” للراهبات بمنطقة مصر الجديدة أيضاً. ذكرت مخاوف عائلتها من تلقيها تعليما أجنبياً، التي تسببت في تنقلها بين العديد من المدارس، مثل “كلية البنات القبطية” بمنطقة العباسية التي ظلت بها حتى السنة الثالثة الابتدائية، وانتقلت بعد ذلك إلى “مدرسة عباس” بحي السبتية بالقسم الداخلي، نظراً لتغيير أسرتها لمحل السكن، وفي النهاية انتقلت إلى مدرسة بحلوان، وانتهت من المرحلة الابتدائية، ثم التحقت بمدرسة “حلوان الثانوية” بالقسم العلمي، حتى حصلت على شهادة البكالوريا في عام 1933. من ذكرياتها المدرسية المشاركة في إضراب طلابي إثر معاهدة 1936، والتعرض لضرب النيران من قبل العساكر الإنجليز.
كانت رغبتها بعد ذلك هي الالتحاق بكلية الطب، إلا أن تعليمها الفرنسي شكل عائقاً أمام التحاقها بها لأن الدراسة كانت باللغة الإنجليزية، وبالتالي قامت بالالتحاق بمعهد التربية بهدف أن تصبح معلمة، وكانت مدة الدراسة بالمعهد 3 سنوات.
عقب تخرجها من المعهد، شغلت وظيفة معلمة بمدرسة “المنصورة الثانوية”. تم نقلها بعد ذلك إلى “روضة المنصورة” التي كانت ناظرتها آنذاك الأستاذة سنية عزمي. رغبت في العمل بالقاهرة، وتم نقلها إلى “روضة الأورمان” بمساعدة من الأستاذة سنية عزمي، وظلت بها لمدة 4 سنوات. قامت سنية عزمي بترشيحها لمنصب ناظرة بـ “روضة الأمير فيصل” في العراق، وبالفعل سافرت في يناير 1943، رغم غضب والدتها ورفضها الشديدين، ولكن قام والدها بإقناعها. قامت في العراق بتأسيس الروضة، وإدخال طرق التدريس المصرية، وتدريب المدرسات. وتتذكر العلاقات الوثيقة والطيبة التي جمعتها بزملاء العمل هناك.
عقب عودتها من العراق، عملت في “روضة حلوان”، ثم تم ترشيحها في عام 1949 من قبل الوزارة لكي تشغل وظيفة مفتشة تعليم البنات في ليبيا. سافرت إلى ليبيا، ولكنها لم تستطيع الاستمرار طويلاً، بسبب القبضة الإيطالية المحكمة عليها، وأيضاً قسوة الحياة هناك، وعادت مرة أخرى إلى “روضة حلوان” واستمرت بها حتى قيام الثورة في عام 1952. وتذكر أنه عقب الثورة، تم تحويل المدارس الأولية الخاصة بالأطفال إلى رياض أطفال أو مدارس ابتدائية، وتم انتدابها من قبل سنية عزمي للعمل مفتشة رياض أطفال في الإدارة التعليمية بطنطا، واستمرت بها لمدة عامين. أصبحت بعد ذلك مفتشة قسم على محافظة الغربية بأكملها، ثم ناظرة معلمات المنصورة، واستمرت في هذا المنصب لمدة ثلاثة أعوام. ونظراً لاهتمامها بالتربية الريفية، قامت بتأسيس مدرسة في قرية صندوب بالمنصورة للتربية الريفية، وحرصت على التواصل المستمر بين هذه المدرسة والمدارس الأخرى في القرى المجاورة، وبين مدرسة المعلمات التي كانت تقوم بإحياء الحفلات وتتم دعوة أهالي القرى المجاورة لحضورها.
تم ترشيحها للسفر إلى الولايات المتحدة إلى جانب بعض زملائها، من خلال اتفاقية بين الوزارة والنقطة الرابعة التابعة للولايات المتحدة، ولكنها لم تسافر بسبب العدوان الثلاثي عام 1956. تقابلت مع مدير الإدارة التعليمية رغبة منها في إعادة فرصة السفر الضائعة، وقررت الذهاب على نفقتها الخاصة للدراسة.
التحقت بجامعة إنديانا بهدف دراسة التربية والحصول على درجة الماجستير، التي حصلت عليها خلال سنة واحدة فقط، رغم صعوبة الدراسة باللغة الإنجليزية بالنسبة لها. كانت رغبتها بعد ذلك هي الحصول على درجة الدكتوراه في التربية الريفية، ولذلك التحقت بجامعة مينيسوتا، وتتحدث كثيراً عن ذكرياتها خلال تلك الفترة، ولكنها لم تحصل على الدكتوراه في النهاية بسبب رفض الوزارة مد فترة إقامتها بالخارج.
قررت بعد ذلك الحصول على درجة “التخصص في التربية” كبديل للدكتوراه، وعٌينت مساعدةً لمشرفها. وبعد عودتها إلى مصر، شغلت منصب مفتشة تربية وعلم نفس، ثم انتدبت للتخطيط لمرحلتي الإعدادي والثانوي في كلية المعلمات بمدينة المنيا، تحت عمادة الأستاذة عائشة الكاشف، التي رشحت ثريا لتولي منصبها كعميدة بعد تقاعدها. وخلال فترة تواجدها بالمنيا، أسست “جمعية الشابات المسلمات” بها في ظل وجود جمعية “الشبان المسلمين”. وقد أسندت إدارة الجمعية للمدرسات والطالبات، وكانت زاخرة بالأنشطة مثل الألعاب الرياضية وإقامة الحفلات.
تزوجت ثريا خلال فترة تواجدها بالمنيا، وطلبت نقلها إلى كلية التربية بجامعة عين شمس بعد عام من زواجها، نظراً لتواجد زوجها بالقاهرة. انضمت إلى هيئة التدريس، وكانت أول سيدة تقوم بالتدريس في هذه الكلية. سافرت في عام 1969 إلى السعودية بعد انتدابها للعمل بـ “كلية البنات”، ولكن لم تستمر بها طويلاً، نظراً لبعض الصعوبات التي واجهتها هناك.
تحدثت ثريا عن النقلة التي أحدثتها ثورة 1952 عند الشعب المصري، الذي تعتبره شعب شديد التمدن والتحضر بحكم تاريخه، ولديه القدرة دائماً على تحسين أوضاعه وظروف حياته بنفسه، ولكنه يحتاج لمثل أعلى يقتدي به. تتذكر سعادتها بقيام الثورة، نظراً لكراهيتها الشديدة للاستعمار وتواجد الأجانب في مصر منذ طفولتها.
لم تشعر ثريا أن كونها امرأة قد مثل أية عوائق خلال حياتها العملية، وترى أن جرأتها وإقدامها الشديدين لم يجعلاها تشعر بأن هناك أي أمر قد يستعصي عليها. وبالرغم من ذلك، فقط شهدت العديد من مظاهر قهر المرأة في المجتمع خلال شبابها، فتذكر على سبيل المثال زواج إحدى صديقاتها وهي في الصف الخامس الابتدائي، كذلك عدم استكمال عدد كبير من زميلاتها لدراستهن الثانوية، بسبب إصرار الأهالي على تركهن الدراسة من أجل الزواج. وترى أن اختلافها عن السائد في المجتمع قد أعطاها إحساساً بالتميز.
37498197(202)+
37497527(202)+
12 شارع سليمان أباظة، الدقي – الجيزة.