في هذه المقابلة تتحدث الدكتورة درية علي زكي، الأستاذة والعالمة والرائدة في تخصص الأحماض الأمينية في مصر، عن رحلتها مع التعليم، وكيف كانت من أوائل الفتيات اللاتي حصلن على التعليم في أسرتها. تتحدث أيضاً عن نشاطها الثقافي الواسع أثناء مرحلة الدراسة.
ولدت درية في القاهرة في منطقة شبرا، وكان ولدها موظفاً بهيئة السكة الحديد، واهتم بتعليمها وبدراستها اهتماماً كبيراً. أما والدتها، فكانت ربة منزل ذات شخصية قوية كما تصفها، اهتمت أيضاً بالتعليم بشكل كبير، وكذلك بتوفير المناخ المناسب بالمنزل كي يتفوق أبناؤها في دراستهم. التحقت درية وعمرها 4 سنوات بحضانة مدرسة تابعة للإرسالية الإنجليزية بمنطقة الفجالة، وكان ذلك بناءً على اختيار والدها ووالدتها لحرصهما على تلقيها تعليم جيد وعلى تعلمها اللغات الأجنبية. كانت أول فتاة تلتحق بالمدرسة في أسرتها، واستمرت بالمدرسة لمد 6 سنوات، سنتين في مرحلة الحضانة وأربع سنوات في المرحلة الابتدائية، ثم حصلت على ما يعادل الشهادة الابتدائية. وتتذكر أن مدرساتها كن إنجليزيات الجنسية نظراً لأنه كان من النادر إجادة المدرسات المصريات للغة الإنجليزية في ذلك الوقت على حد قولها. لم تستمر بعد ذلك في الدراسة في نفس المدرسة نظراً لإصدار محمود فهمي النقراشي باشا، رئيس الوزراء آنذاك، قراراً بأن تقوم المدارس الإرسالية بتدريس الدين الإسلامي أو يتم غلقها، وبالفعل تم غلق مدرستها. التحقت بعد ذلك بمدرسة مصرية، وهي الفجالة الابتدائية، حيث اضطرت لإعادة السنة الرابعة الابتدائية بالمدرسة الجديدة نظراً لرسوبها في اختبار القبول بسبب ضعف لغتها العربية، والتي لم تدرسها إطلاقا في مدرسة الإرسالية. وبالطبع واجهت صعوبات في البداية نظراً لصعوبة بعض المواد الدراسية كالتاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية، لكنها استطاعت تجاوز هذه الصعوبات، خاصة بمساعدة والدها، واجتازت امتحان الشهادة الابتدائية وكان ترتيبها الـ 75 على القطر المصري كله، وكانت مفاجأة مذهلة كما تذكر. التحقت بعد ذلك بمدرسة الأميرة فوزية الثانوية بمنطقة السبتية. وتذكر أن نوال الدجوي، التي أصبحت فيما بعد إحدى رائدات التعليم الأهلي في مصر، كانت زميلتها في نفس الفصل الدراسي، كما تتذكر من زميلاتها المذيعة كاميليا الشنواني والصحفية بهيرة مختار حسين. كانت المدرسة تعمل بنظام اليوم الكامل وتوفر للطالبات وجبة الغداء أيضاً، وكان ذلك بمصروفات بسيطة. تتذكر إحدى المدرسات اللاتي أثرن فيها بشدة وهي “أبلة نادية” مدرسة اللغة العربية بالمدرسة، التي قابلتها صدفةً بعد تركها للمدرسة بأكثر من 20 عام، وتأثرت بشدة لأنها تذكرتها ونادتها باسمها قائلة “أزيك يا درية”.
تفوقت في دراستها الثانوية، وكانت الأولى دائماً، وتتذكر محبتها للغة الإنجليزية خاصة، حتى أنها أصبحت، بمساعدة أحد مدرسيها، مراسلة المدرسة بجريدة “إيجيبشيان جازيت” وقامت بعمل ملخص لرواية “أوليفر تويست” وأرسلتها للجريدة للنشر، كما قامت بإعدادها كعمل مسرحي مدرسي أيضاً. وتتذكر احتفاظها في منزلها دائماً بالمراسلات والخطابات بينها وبين الجريدة.
استمرت بالمدرسة الثانوية لمدة 5 سنوات حتى حصلت على شهادة الثقافة العامة وشهادة التوجيهية في عام 1954. وتتذكر أن وقت التحاقها بالجامعة توافق مع بداية عمل مكتب التنسيق الجامعي، وأن يتم التوزيع بالكليات المختلفة على حسب المجموع. وتتذكر أن رغباتها بالترتيب كانت كلية الطب بجامعة القاهرة، ثم كلية الطب بجامعة عين شمس، ثم كلية العلوم بجامعة القاهرة، وتم إلحاقها بكلية العلوم.
اختارت التخصص في قسم البيولوجي، وكان ينقسم لثلاثة فروع، هي النبات والحيوان والكيمياء، واختارت بعد ذلك التخصص في مجال النبات. وتتحدث عن قسم النبات الذي أحبته بشدة وتعاملت معه كبيت لها لما وجدته من تعاون أساتذتها معها ومع غيرها من الطلاب، وتذكر من هؤلاء الأساتذة الدكتور عبد العال مباشر، والدكتور عبد العزيز سلامة، والدكتور كمال عزيز، والدكتور حلمي بشاي، والدكتور فؤاد جورج، والدكتور مصطفى إمام. احبت دراستها بشكل كبير، وخاصة مجال تخصصها وهو الميكروبيولوجي أو مجال الميكروبات، وكانت أبحاثها متخصصة في مجال التخمرات الصناعية وكيف يمكن استخدام مواد بعينها لإنتاج الميكروبات بكميات كبيرة للاستفادة منها في بعض الصناعات.
بعد تخرجها، نصحها الدكتور مصطفى إمام بالتقدم للعمل بكلية البنات، نظراً لحاجتها لمعيدات ومعيدين، وبالفعل تم انتدابها للعمل بالكلية. ثم علمت بعد ذلك عن طلب المركز القومي للبحوث لباحثين للعمل، فآثرت العمل بالمركز، حيث كان أكبر مركز أبحاث في الشرق الأوسط. وجدت بالمركز استعدادات وإمكانيات وأجهزة هائلة وصفتها بأنها تساعد من يعمل على أن يصبح عالماً بشكل حقيقي. تنازلت عن التعيين في كلية البنات لتكمل عملها بالمركز.
تزوجت درية من أحد أصدقاء زميلها بالمركز القومي للبحوث والذي درس في كلية العلوم أيضاً، والتقى بها ذات مرة بالمركز وأعجب بها وتقدم لخطبتها. وتصف علاقتهما بأنها كانت قائمة على المشاركة والتعاون في كافة الأمور، اهتمام كل منهما بالآخر في فترات انشغالهما بأبحاثهما. أنجبا ابنتين، وتتذكر اهتمام زوجها بابنتها الصغرى تحديداً وتوليه كافة مسئوليتها نظراً لانشغالها هي في أبحاث الدكتوراه في ذلك الوقت.
بعد زواجها، استمر عملها بالمركز وحصلت خلال فترة عملها به على درجة الماجستير في عام 1960، وكانت دراستها عن إنتاج حامض اللاكتيك من قصب السكر لاستخدامه في الصناعة، وبالفعل استطاعت إنتاجه.
حصلت في عام 1971 على درجة الدكتوراه أيضاً، وكانت عن إنتاج الحامض الأميني الموجود في الأطعمة ذات القيمة الغذائية العالية مثل البيض والألبان والأسماك واللحوم والدواجن، لكنه غير موجود فى الخضروات أو البقوليات أو الألبان المجففة. اهتمت بإنتاج الحامض الأميني لما له من تأثير مهم على المخ والأعصاب، حيث يتم استخدامه في العلاج النفسي والعصبي، وكانت أول من قام بعمل أبحاث في هذا التخصص.
بعد حصولها على درجة الدكتوراه، أعلنت الكلية عن حاجتها لأساتذة للعمل في مجال تخصصها، فتقدمت مرة أخرى للعمل بكلية البنات.
في عام 1976، سافرت للعمل بالمملكة العربية السعودية مع بداية التعليم الجامعي للفتيات هناك، وعملت في جدة بالرئاسة العامة لتعليم البنات، بكلية التربية، وتذكر أنها قامت بالتدريس لأوائل دفعات الفتيات اللاتي تخرجن من الجامعة، والتي أصبحت إحداهن عميدة القسم الأدبي بالكلية فيما بعد، وطلبت منها بعد عودتها من المملكة بعشر سنوات العودة للتدريس بها مرة أخرى. وبالفعل سافرت للعمل بنفس الكلية مرة أخرى واستمرت بها لمدة 6 سنوات. خلال هذه الفترة أشرفت على، وناقشت، عدداً من الرسائل العلمية الهامة، كما أصبحت رئيسة للكونترول الخاص بـ 11 قسم بالكلية. وتتذكر صعوبة تلك المرحلة نظراً لكم العمل الكبير الذي كان على عاتقها، حتى أنها تذكر أنها في بعض الأحيان كانت تعمل من الساعة السابعة صباحاً حتى العاشرة مساءً، وهو العمل الذي أنجزته بمحبة وإخلاص طوال الوقت، ولاقت عليه تقديراً كبيراً من عميدات القسم الأدبي والعلمي بالكلية، كما حصلت على عدد من الدروع وشهادات التقدير. وتعتبر هذه الفترة من أجمل الفترات بالنسبة لها، وقد حافظت على علاقة طيبة ووثيقة بطالباتها، وأيضاً زميلاتها، بعد عودتها إلى مصر.
37498197(202)+
37497527(202)+
12 شارع سليمان أباظة، الدقي – الجيزة.