في هذه المقابلة تتحدث الدكتورة زكية شافعي، الأستاذة الجامعية، والمهندسة، وأول معمارية مصرية، والخبيرة الدولية في عمارة المستشفيات، عن كونها أول فتاة تتخرج من كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية في عام 1957، وعن حصولها على درجة الدكتوراه في تصميم المستشفيات من جامعة لندن في عام 1964. عملت زكية أستاذةً للهندسة في جامعة القاهرة، وظلت بها حتى أصبحت رئيسة قسم العمارة في عام 1994. قامت بعمل التصميم الهندسي لعدد من المباني الخاصة بالجامعات والمستشفيات المختلفة. كما عملت عضوة بلجنة العمارة بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيسة جمعية المعماريين، وعضوة مجلس إدارة الاتحاد الدولي للمعماريين. في عام 2017، حصلت على الميدالية الذهبية من “جمعية المعماريين المصريين”، تقديراً لجهودها وأعمالها المعمارية والعمرانية شديدة التميز.
تحدثت زكية عن والدها، المهندس المعماري الرائد حسن شافعي، الذي درس بفرنسا، وعن تمتعه بسعة الأفق والاستنارة، وإيمانه بأهمية تعليم الإناث. في بداية دراستها، التحقت بمدرسة “لا روز دي ليزيو” الفرنسية بمنطقة الدقي، وظلت بها لمدة عام واحد، ثم انتقلت إلى مدرسة “قصر الدوبارة”، ومنها إلى مدرسة “الأورمان”، نزولاً على رغبة والدها في أن تتلقى تعليماً مصرياً في مدارس حكومية. انتقلت بعد ذلك إلى محافظة الإسكندرية مع والدها، نظراً لافتتاح قسم الهندسة بجامعة الإسكندرية، وعمله بهيئة تدريسها، والتحقت بمدرسة “مصطفى كامل باشا” الابتدائية، ثم بمدرسة “الأميرة فايزة” الثانوية. وتتذكر أنها اضطرت لدراسة مادة الرياضيات بالمنزل حتى تتمكن من الالتحاق بالقسم العلمي، حيث لم يكن هناك أية أقسام للرياضيات بكافة المدارس الثانوية بالإسكندرية. وقد حصلت على المركز الـ 31 على القطر المصري في امتحانات شهادة الثقافة، كما حصلت على المركز الـ 19على القطر المصري في امتحان الشهادة التوجيهية.
التحقت بعد ذلك بكلية الهندسة في جامعة الإسكندرية، وكانت أول فتاة تلتحق بكلية الهندسة، ولكنها لم تكن أولى الخريجات، نظراً لأنه في أولى سنوات دراستها، تم ضم طالبات قسم الكيمياء الصناعية، الذي كان تابعاً لكلية العلوم، إلى كلية الهندسة، وكن قد سبقنها في الالتحاق بالجامعة فتخرجن منها قبلها. تتذكر أنها كانت في دفعتها الفتاة الوحيدة ومعها 23 طالب من الفتيان، وتتذكر كيف جمعتها بهم علاقة صداقة واحترام متبادل، كما احتفظت بعلاقاتها مع زميلاتها من مرحلة الدراسة الثانوية. وتتذكر كيف درس لها والدها مادة العمارة بالكلية لمدة أربع سنوات، ولكنها رفضت تماماً أن يقوم بمساعدتها بأي شكل من الأشكال.
رفضت زكية فكرة الزواج بعد المرحلة الثانوية مباشرة، نظراً لتصميمها على استكمال دراستها، ولكن تمت خطبتها في السنة الثالثة من مرحلة الدراسة الجامعية، من الطبيب بالجيش المصري الدكتور شريف عبد الفتاح، الذي تعرفت عليه بحكم قرابته لإحدى صديقاتها، ونشأت بينهما علاقة صداقة وحب. وكما تذكر، كان السؤال الحاسم في قبولها للزواج هو موافقته أو اعتراضه على عملها بعد التخرج من الجامعة.
تخرجت من الكلية في عام 1957، وتم الزواج بعد ذلك مباشرة، وانتقلت إلى القاهرة بصحبة زوجها. ثم تم تكليفها من وزارة الشئون البلدية والقروية للعمل في “معهد بحوث البناء” بمنطقة الدقي، ولكنها طلبت أن يتم نقلها إلى القسم الهندسي التابع للحكومة، نظراً لقربه من محل سكنها، وحتى تتمكن أيضاً من القيام بعمل التصميمات. عملت في قسم التصميم الخاص بالجامعات، وتتذكر أنها شاركت في التصميمات الخاصة بجامعة عين شمس، وجامعة أسيوط، وبعض مباني جامعة الإسكندرية. استمر عملها بالقسم لمدة 3 سنوات، ثم قررت هي وزوجها أن يستكملا دراستهما العليا، وبالفعل تم اختيارها للسفر في بعثة إلى أمريكا، وتم اختيار زوجها للسفر في بعثة إلى إنجلترا، فقامت بتغيير موضوع بحثها حتى تتمكن من السفر هي أيضاً إلى إنجلترا مع زوجها بصحبة ابنتهما، وكان عمرها عامان فقط. استمرت في إنجلترا لمدة 3 سنوات ونصف، وحصلت على درجة الدكتوراه في تصميم المستشفيات في عام 1964، وكذلك على شهادة الدبلوم في التخطيط.
لدى عودتها من البعثة، حاولت العودة إلى القسم الهندسي، الذي أصبح اسمه “المكتب العربي”، ونجحت بالفعل في العودة للعمل به. تقدمت بعد ذلك لشغل وظيفة مدرس في كلية الهندسة، جامعة القاهرة، وتم قبولها. تتذكر الرهبة التي شعرت بها في بداية عملها بمهنة التدريس، وأن ما ساعدها كثيراً في أول محاضرة لها، وكانت للفرقة الثالثة، هو نظرات التشجيع من الطالبات المعماريات اللاتي جلسن في الصف الأول، وخاصة طالبتها الدكتورة نسمات، التي أصبحت رئيسة القسم فيما بعد، الأمر الذي تعتبره أحد أسباب فخرها. وإلى جانب التدريس، شغلت وظيفة مهندسة في المكتب الخاص برئيس القسم بالكلية، الدكتور يوسف شفيق، الذي اعتبرته قدوة لها في العمل والفكر، وتأثرت به كثيراً في مفهوم العمارة وممارستها. واستمرت في هذه الوظيفة لمدة عام ونصف.
قررت بعد ذلك الاستقلال بإنشاء مكتبها الخاص، نظراً لرغبتها في الإلمام بالواقع التطبيقي، والبعد الاقتصادي، وآليات التنفيذ، إلى جانب الجزء النظري عند قيامها بالتدريس لطلبتها. اشتركت مع مجموعة من أعضاء هيئة التدريس بكلية الهندسة في افتتاح مكتب ومقر في الجامعة، والعمل على تصميم عدة مبانٍ بها. وقامت بالفعل مع شركائها بتصميم عدة مبانٍ جامعية، من بينها كلية العلوم بجامعة المنصورة، كما حصلت على عقد شخصي لتصميم معهد الأورام. وقامت بتأسيس مكتب “شافعي-شريف” بالتعاون مع أحد أقاربها، أحمد شريف، ونجلها، ثم انسحب نجلها من الشراكة وأسس مكتبه الخاص.
إلى جانب دراستها العلمية، أحبت زكية القراءات الأدبية بشدة، وخاصة الروايات البوليسية، كما قرأت العديد من روايات إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي. تحدثت أيضاً عن حبها الشديد لأعمال نجيب محفوظ، الذي بدأت في قراءة كتاباته بعد عودتها من إنجلترا، ورأت فيه شخصية فذة لم تحصل على التقدير الكافي، وكانت سعادتها هائلة عند حصوله على جائزة “نوبل” للآداب.
تحدثت زكية عن الفارق بين التعليم في زمنها وبين التعليم في الوقت الحالي، وكيف أثرت زيادة أعداد الطلبة في العلاقات بينهم وبين أساتذتهم وفي قدر الاهتمام الذي كان الطلاب ينالونه في السابق. كذلك ترى أن الأجيال الجديدة ليس ليها الصبر الكافي للتعلم كما كان الحال في جيلها، الذي اعتبر أن الكفاح جزء من متعة التعلم.
37498197(202)+
37497527(202)+
12 شارع سليمان أباظة، الدقي – الجيزة.