تتحدث الدكتورة فاطمة موسى، رائدة الترجمة الحديثة والناقدة الأدبية وأستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة، عن رحلتها العملية، والتي بدأت بحصولها على الشهادة الابتدائية في عام 1939، ثم التحاقها بمدرسة الأميرة فوزية الثانوية. كما تتحدث عن التحاقها بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، جامعة القاهرة، وتخرجها منه في عام 1948، ثم تعيينها بالقسم ذاته في عام 1952، وكيف تأخر تعيينها لعدم رغبة الجامعة في ذلك الحين في تعيين النساء. حصلت بعد ذلك على درجة الدكتوراه في اللغة الإنجليزية وآدابها من كلية ويستفيلد بجامعة لندن في عام 1957. شغلت فاطمة موسى منصب رئيسة قسم اللغة الإنجليزية، وكانت مقررة لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة، والرئيسة التنفيذية لرابطة القلم المصرية، كما شاركت في مشروع باسم “سراي المرأة” في معرض القاهرة الدولي للكتاب، مع اعتدال عثمان ورضوى عاشور، والذي في إطاره تم عمل تسجيلات مع مجموعة من الرائدات عن بداياتهن وإنجازاتهن، وضم المشروع عايدة فهمي، وجنفيف سيداروس، وعائشة عبد الرحمن.
ولدت فاطمة موسى في القاهرة في شارع محمد علي، وكانت ابنة لأب من صعيد مصر ولد في عام 1899، وصفته بأنه شديد الذكاء، لذا اختارته الدولة في ذلك الوقت ليتعلم بالمدرسة، ولكن تدخل العمدة لأنه الابن الوحيد للعائلة، فلم يذهب للدراسة. وسافر للعيش في القاهرة بعد وفاة والده، والتحق بمدرسة ليلية، وكان محباً للقراءة والكتابة. ومنه ورثت حبها الشديد للقراءة والكتابة. أما عن والدتها، فكانت من الإسكندرية، لكنها لم تحب التعليم ولم تتعلم القراءة والكتابة، لكنها كانت أيضاً شديدة الذكاء، وكان عدم معرفتها القراءة والكتابة سبباً رئيسياً في اهتمامها الشديد بتعليم ابنائها. كانت فاطمة موسى أكبر اخوتها، وقد تنقلت بين عدد من المدارس نظراً لحرص والدتها على حصولها على أفضل تعليم، ورغبتها في دخولها مدرسة تنتقل منها للتعليم العالي. تتحدث عن بداية دراستها في المدرسة الابتدائية، وكان أول من درس لها اللغة الإنجليزية يدعى “جيد” أفندي، ولم تكن تعرف أي شيء عن اللغة الإنجليزية ولا تفهمها على الإطلاق، لكنها كانت تبدأ في قراءة كل كتبها المدرسية فور استلامها لها، وفي لحظة ما، حدث التحول في علاقتها باللغة الإنجليزية وأصبحت بالنسبة لمعلمها مصدراً للفخر أو “his pride” كما تقول. تتحدث فاطمة موسى عن المدارس التي التحقت بها، ومنها مدرسة “البهية البرهانية”، وكانت ناظرتها تدعى أبلة حميدة، وهي واحدة من رائدات التعليم. ثم التحقت بمدرسة “الأميرة فوزية”، وهي مدرسة كبيرة حلت “هيئة الكتاب المصري” محلها في الوقت الحالي، وكانت ناظرتها أيضاً واحدة من رائدات التعليم، وهي أبلة إنصاف سري، وكانت تهابها بشدة، لكن تحدثت عن دورها الكبير في تنمية الطالبات فكرياً، وكيف كانت تأتي لهن ببعض من خريجات المدرسة من الرائدات لمحاورتهن، وكان منهن نعيمة الأيوبي، وعطيات الشافعي، وهي أول محامية مصرية. وتصف معلماتها، وكان البعض منهن أمهات في ذات الوقت، فتقول: “يعني الستات دول كان حضورهم كأمهات موجود، وفي نفس الوقت ستات أقوياء مكرسين جداً لشغلهم”. وتذكر كيف كانت المدرسة الحكومية، وكانت مصروفاتها جنية واحد، أفضل بكثير على المستوى العلمي من المدارس الخاصة، أو “الأهلية” كما سميت في ذاك الوقت، والتي كانت مصروفاتها عشرين جنيهاً.
أحبت فاطمة موسى التعليم والمدرسة بشدة، وفي المرحلة الثانوية، وكانت مدتها خمس سنوات للبنات تنتهي بالحصول على شهادة الثقافة في العام الخامس، وأربع سنوات فقط للبنين، شاركت في عدد من الأنشطة كالمسرح ورياضة التنس والقراءة في مكتبة المدرسة التي كانت تقضي فيها فترات الراحة أو “الفسحة”، والتي ضمت حوالي 6000 كتاب كما تتذكر، فعاملتها مدرستها ميس “سيدج” المسئولة عن المكتبة الإنجليزية معاملة خاصة، ونمّت حبها للقراءة، فكانت تسمح لها بالاحتفاظ ببعض الكتب لقراءتها خلال فترة الإجازة الصيفية، كما سمحت لها أن تشارك معها في أعمال المكتبة ومساعدة الفتيات الأخريات، وكما تقول: “قريت الأدب الإنجليزي كله قبل ما اتخرج من الثانوي”. وظلت ميس “سيدج” على علاقة طيبة بها وبوالدتها، حتى بعد انتقالها للعمل في محافظات أخرى غير محافظة القاهرة. وتذكر أن مدرسات اللغة الإنجليزية كن إنجليزيات، ومدرسات اللغة الفرنسية كن فرنسيات، ولكن في إحدى السنوات جاء للمدرسة عدد من المدرسات المصريات، وكن أول المدرسات اللاتي تخرجن من معهد التربية، ومنهن ماري سلامة، وزينب رمزي. كذلك تخرج من المدرسة عدد من الطالبات اللاتي كن في أوائل دفعات الفتيات اللاتي التحقن بالجامعة، ومنهن مفيدة عبده، وزهيرة عابدين، وكوكب حفني ناصف. اختارت فاطمة موسى في السنة الخامسة تخصص اللغة الإنجليزية، ورغم تفوقها في مادة الرياضيات واستلام والدها لخطاب من وزير التربية يرشحها فيه لدخول شعبة الرياضيات في حلوان، إلا أنها اختارت دراسة اللغة الإنجليزية بناءً على نصيحة ميس “سيدج” لها بأن تدرس اللغة الإنجليزية ثم تعمل بالصحافة، فأحبت هذه الفكرة كثيراً، لكنها لم تعمل فيما بعد بالصحافة.
لم تجد صعوبة في الدراسة بعد التحاقها بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة في عام 1944، على العكس تقول: “قسم إنجليزي كان بالنسبة لي سهل والدراسة فيه محببة خالص”. استمتعت بدراستها في قسم اللغة الإنجليزية، وكما في المدرسة، ظلت في المرحلة الجامعية تقضي فترات طويلة بالمكتبة، وتبقى بها حتى موعد إغلاقها في الساعة التاسعة مساءً. درّس لهم في قسم اللغة الإنجليزية عدد من الأساتذة الإنجليز، وكان التدريس بالنسبة لهم بديلاً عن أداء الخدمة العسكرية. كان من بينهم عدد من الأدباء مثل P. H. Newby ولم تكن تعلم في حينها أنه كاتب وأديب. كذلك درس لها Martin Lings، الذي اختلفت معه كثيرا وجادلته كثيراً. وكما تذكر، قال لها ذات مرة: “أنتِ أجهل من إن أنتِ تعرفي تردي عليا”، لكنها التقت به فيما بعد بالمتحف البريطاني وأصبحا صديقين. وكانت دفعتها بالجامعة تضم أربعين طالب وطالبة، وتذكر أنها كانت من الدفعات الأولى التي كان فيها عدد الطالبات أكثر من عدد الطلاب، حيث كان بالدفعة طالب واحد فقط، ترك الدراسة بالقسم فيما بعد. أكملت دراستها وكانت الأولى على دفعتها، والوحيدة التي دخلت شعبة الامتياز، ودرس لها فيها الدكتور لويس عوض.
تذكر أن أساتذتها من الإنجليز كانوا قد رحلوا عن مصر بعد أن قام مصطفى النحاس باشا في عام 1951 بإلغاء معاهدة عام 1936، وبعد أن بدأت إنجلترا في الوفاء بوعدها بالجلاء عن مصر في عام 1946، بعد حادث كوبري عباس. كما تذكر أنها لم تكن لديها الجرأة للمشاركة في أية مظاهرات خارج الجامعة، وكما تقول: “أنا أول مرة مشيت في حاجة برة الجامعة ماكانتش مظاهرة بالمعنى، كان موكب جنازة طه حسين”.
بعد تخرجها من الجامعة، عملت فاطمة موسى مدرسة بمدرسة النيل الثانوية بشبرا، براتب 11 جنيهاً. ورغم استحقاقها للتعيين بالجامعة، لم يتم تعيينها، نظراً لعدم رغبة الجامعة في تعيين النساء في ذلك الوقت. وبعدها التحقت بوزارة المعارف وعملت بمدرسة القبة الخديوية، وخلال فترة عملها كمدرسة سجلت للحصول على درجة الماجستير في عام 1951، وقدمت طلباً لوزارة المعارف للحصول على إجازة بدون مرتب لمدة عامين والتفرغ، ووافق على طلبها طه حسين، وكان وزيراً للمعارف في ذلك الوقت. وفي النهاية، صدر قرار بتعيينها معيدة في قسم اللغة الإنجليزية في يناير 1952، وبعدها صدر قرار آخر بتعيين زميلتها إنصاف المصري معيدة أيضاً، والتي حصلت على منحة للسفر إلى أمريكا واستقرت هناك. تعتبر فاطمة موسى أن تعيينها قد جاء نتيجة “المد الثوري” كما أسمته، وما شهدته مصر من أحداث مثل إلغاء معاهدة السلام، وحريق القاهرة، ثم ثورة 23 يوليو 1952. حرصت فاطمة موسى وزملاؤها، ومنهم الدكتور رشاد رشدي والدكتور لويس عوض، على الاهتمام بالأدب العربي داخل قسم اللغة الإنجليزية من خلال الأنشطة الخارجية. ورفضت تماماً أن يقتصر دخول قسم اللغة الإنجليزية على الطلبة خريجي المدارس الأجنبية، فكما تقول: “ما ينفعش. لا أنا خريجة مدرسة أجنبية، ولا رشاد رشدي خريج مدرسة أجنبية، ولا عبد العزيز حمودة، ولا محمد عناني. الناس اللي مهتمين ويعرفوا إنجليزي كويس من المدارس العربية، واخدين إنجليزي كويس”. وترى فاطمة موسى أن قسم اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة قد لعب دوراً مهماً في إثراء الثقافة المصرية، وتذكر الدور الذي لعبه الدكتور رشاد رشدي واهتمامه بالرسائل العلمية التي لم يكن لها وجود في وقت الإدارة الإنجليزية، كذلك اهتمامه بالمسرح والنقد الأدبي. كذلك بدأ الاهتمام بالشعر العربي، وأيضاً الاهتمام بالترجمة، والتي أصبحت مادة تدرس بالقسم من بداية الدراسة وحتى نهاياتها، وكما تقول: “فبقى قسم إنجليزي محور في النشاط الداخلي، وفي النشاط المسرحي الخارجي”. وترى أن فترة الخمسينيات والسيتينيات كانت فترة حية جداً بالنسبة للأدب والشعر والمسرح، وخاصة فترة الستينيات حيث كان هناك مشروع قومي واحد.
سافرت فاطمة موسى إلى إنجلترا في عام 1957 للحصول على درجة الدكتوراه، وكانت رسالتها عن المستشرقين، وطبعت في كتاب عام 1962 أودع بمكتبة قسم اللغة الإنجليزية التي أسهها الدكتور مجدي وهبه. وسافرت إلى إنجلترا مرة أخرى بعد ذلك في مهمة علمية.
تزوجت فاطمة موسى من الدكتور مصطفى سويف أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، الذي اختارته بنفسها كشريك لها. وأنجبا ثلاثة أبناء وبنات اعتبرتهم مصدر سعادتها. ولم تجد أي تعارض بين سعادتها الزوجية وبين عملها ونجاحها فيه رغم المشقة، وكان اختيار الشخص المناسب كشريك للحياة مبدأً أساسياً بالنسبة لها.
تفخر فاطمة موسى بدراستها للغة الإنجليزية، وبكونها واحدة ممن شاركن في تأسيس قسم اللغة الإنجليزية في حلته الجديدة، رغم أنها كانت الأصغر سناً بين زملائها. تفخر أيضاً بكونها استطاعت بجانب اهتمامها بعملها القيام بدورها كزوجة وأم، فكما تقول: “إن أنا جمعت المتطلبات والمميزات بتاعت الـزوجة والأم مع الدراسة والاهتمام بالأدب العالمي والإبداء برأيي في الفكر العالمي، أنتي لما تبصي على مطبخي في طرابيزة كبيرة مليانة ورق”.
37498197(202)+
37497527(202)+
12 شارع سليمان أباظة، الدقي – الجيزة.