في هذه المقابلة تتحدث فضيلة توفيق، رائدة العمل الإذاعي ومقدمة برامج الأطفال، عن مسيرتها مع التعليم، حتى التحقت بكلية الحقوق في جامعة القاهرة وتخرجت عام 1951، وعن عملها الإذاعي وتتلمذها على يد الإعلامي محمد محمود شعبان (بابا شارو). اشتهرت بلقب “أبلة فضيلة”، وأصبحت أشهر من قدم برامج الأطفال في الإذاعة المصرية في الستينيات. شغلت منصب مدير عام البرامج الإذاعية للأطفال في الإذاعة المصرية من 1970-1980.
ولدت فضيلة توفيق بمنطقة العباسية بالقاهرة، والتحقت في طفولتها بروضة “أطفال الأمراء” بالعباسية وكان عمرها 3 سنوات، وكانت فترة الدراسة بها 3 سنوات، وتذكر أن ناظرة الروضة كانت تدعى جليلة عبد الله. وتتذكر أنها في هذا السن الصغير أحبت المشاركة في الأنشطة المختلفة، وكانت من الأطفال البارزين والمتفوقين والمتحدثين بلباقة. التحقت بعد ذلك بمدرسة العباسية الابتدائية، وكانت مدة الدراسة بها 4 سنوات، وتذكر أن جميع مدرسيها كانوا من المصريين في هذه المرحلة. التحقت بعدها بمدرسة الأميرة فوقية الثانوية، وكانت مدة الدراسة بها 6 سنوات للبنات و5 سنوات للبنين، ثم الحصول على الشهادة التوجيهية. تتذكر ناظرة المدرسة “مس ديليني” وكيف اتصفت بالحزم والشدة والصرامة. وترى أن العلاقة كانت وثيقة بين الطالبات والمدرسات، وأيضاً بين المدرسة والمنزل بشكل عام. تم نقلها بعد ذلك لمدرسة الأميرة فريال، حيث تم توزيع الفتيات جغرافياً وفقاً لقرب المدرسة من محل السكن، وكانت ناظرة المدرسة تدعى فايقة سعودي. وكان من بين زميلاتها في مرحلة الدراسة الثانوية الفنانة فاتن حمامة والملكة ناريمان. تتحدث عن تكلفة التعليم المادية الكبيرة في ذاك الوقت، وكيف كان التعليم على مستوى عال من حيث الرعاية الكاملة، والاهتمام بالرياضة، والموسيقى، وغيرها. كذلك تتذكر أنها لم تشعر بأي تفرقة أو تمييز في مرحلة التعليم بين الفتيات من الطبقات المختلفة.
ترك الاحتلال الإنجليزي تأثيراً سليباً كبيراً في نفسها خلال فترة طفولتها، خاصة أنها كانت ترى الجنود الإنجليز من شرفة منزلها وكانت تكن لهم مشاعر سلبية منذ صغر سنها، وقد رفضت منذ البداية أن يتم تعليمها في مدارس إنجليزية، واختارت المدارس المصرية. ساهم في ذلك أيضاً والدها الذي اتسم بالوعي الشديد واعتاد على مناقشة أبنائه وشرح أوضاع البلاد لهم، كذلك حرصه الشديد على تنمية روح الانتماء والوطنية لدى أبنائه، خاصة وأن والدتهم كانت تركية الأصل. وتعتبر أن ما رأته خلال طفولتها من أحداث في مصر بسبب الاحتلال هو ما دفعها للاهتمام بتنمية هذه الروح الوطنية لدى الأطفال فيما بعد من خلال برامجها الإذاعية، وخاصة خلال عام 1967. أما والدتها، فكانت بالنسبة لها مثلاً أعلى، وترجع هدوء شخصيتها، وحكمتها في التعامل مع المواقف الصعبة، وكذلك احترامها الشديد لعلمها إلى والدتها.
بعد المدرسة، تقدم لها أحد جيرانها لخطبتها، فسألها والدها عن رغبتها، وكانت رغبتها هي استكمال تعليمها، وهو ما كان يريده والدها أيضاً. التحقت بالفعل بكلية الحقوق، رغم أن رغبتها كانت دراسة الأدب الإنجليزي، ولكن قررت أسرتها أن تلتحق بالحقوق حتى تكون مع شقيقها في نفس الكلية، وتذكر أن دفعتها كان عددها 600 طالب و15 طالبة. مع مرور الوقت أحبت دراسة الحقوق وخاصة مادة الشريعة، وأحبت المقارنات بين الشريعة والقانون الوضعي، وترى أن دراسة الحقوق والقانون قد ساهما في تنمية قدرتها على المناقشة والمحاورة. وتتذكر ممن درَّسوا لها مادة الشريعة الشيخ محمد أبو زهرة والشيخ عبد الوهاب خلاف، وكيف كانت علاقة الطلبة بأساتذتهم بشكل عام علاقة قريبة ووثيقة. وتتذكر أيضاً أنها خلال فترة دراستها الجامعية قد شاركت مع زميلاتها في تقديم الخدمات والرعاية للطلبة المعتصمين بالجامعة ضد الاحتلال الإنجليزي حتى يتمكنوا من المبيت داخل الجامعة. شاركت أيضاً في التجمعات الوطنية بالجامعة، وساندت زملاءها أثناء إلقاءهم للخطب ضد الاحتلال، كما شاركت مع زميلاتها في دعم زملائهم من المرشحين في انتخابات اتحادات الطلبة.
بعد تخرجها من الحقوق، حاولت العمل بمجال المحاماة مع حامد باشا زكي وزير المواصلات والإذاعة آنذاك، ولكن لم يحالفها النجاح، ولم تستطيع التأقلم مع متطلبات المهنة، فأقنعها حامد باشا بالعمل في الإذاعة. وبالفعل تقدمت للاختبار وتذكر أن ممتحنيها كانوا عبد الوهاب يوسف، ومحمد محمود شعبان، وعلي بيه خليل. وقد لاقت استحسانهم وأعجابهم وبدأت فترة تدريبها بالإذاعة، وتذكر إحدى المتدربات الأخريات وهي أميمة عبد العزيز، التي أصبحت صديقة لها فيما بعد. ترى فضيلة أن فترة تدريبها بالإذاعة هي الفترة التي غيرت مجرى حياتها، وتذكر أنها تدربت على يد الأستاذ حسني الحديدي الذي علمها الإلقاء وقراءة النشرة الإخبارية.
لم تجد في نفسها الرغبة في إذاعة النشرات الإخبارية، وخلال فترة تواجدها بالإذاعة ومتابعتها لبرامج الأطفال التي كان يقدمها بابا شارو، أحبت البقاء مع الأطفال ومساعدته في برامجه. في عام 1960، عندما بدأت الإذاعة بالعمل من خلال التسجيلات والشرائط، بدأت فضيلة توفيق عملها في برامج الأطفال، التي استمرت بها حتى النهاية.
خلال مسيرتها بالعمل الإذاعي، أصبحت فضيلة توفيق رئيسة لإذاعة البرنامج العام المصرية، وتفتخر بأنه في فترة من الفترات التي مرت خلال عملها كانت أغلب القيادات الإعلامية من النساء، فهي رئيسة للبرنامج العام، والإعلامية صفية المهندس رئيسة للإذاعة، والإعلامية مديحة نجيب رئيسة لإذاعة الشرق الأوسط، والإعلامية فوزية المولد رئيسة لإذاعة البرنامج الثاني الثقافية. وتذكر أن طريقها لم يخل من عدد من المصاعب والمشكلات التي استطاعت تجاوزها بهدوء وحكمة.
أحبت فضيلة العمل مع الأطفال لما فيهم من نقاء، ولكن من خلال تعاملها معهم لفترات طويلة، ترى أن هناك فارق كبير قد حدث في شخصيات الأطفال بين وقتها وبين الوقت الحالي، لكنها تأسف كون هذا الفارق يعتبر فارقاً سلبياً، فالأطفال كانوا أقل ذكاء وأكثر أدباً وطاعة، أما في الوقت الحالي، فقد أصبحوا شديدي الذكاء بسبب انفتاحهم على تكنولوجيا ومصادر معلومات لم تكن متاحة في السابق، ولكن لم تصبح أخلاقهم كما كانت سابقاً. ترى أيضاً أن عملها مع الأطفال أثَّر بشكل كبير على قدرتها على العمل في منصب قيادي، والتعامل مع الصعاب والمشكلات التي واجهتها، فهي ترى أن العمل مع الأطفال علمها الهدوء والصبر والقدرة على الإقناع.
37498197(202)+
37497527(202)+
4 ش عمر بن عبد العزيز متفرع من ش العراق المهندسين، الجيزة، جمهورية مصر العربية