في هذه المقابلة مع وداد متري، رائدة الخدمة الاجتماعية، وإحدى رموز الحركة الوطنية اليسارية، وواحدة من أهم المناديات بحق المرأة في المشاركة في التصويت والترشح للانتخابات، تتحدث عن رحلتها مع التعليم والعمل، وحصولها على ليسانس الآداب من قسم الفلسفة بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً) في عام 1952، ثم حصولها على دبلوم معهد التحرير في الصحافة والترجمة في عام 1956. عملت بعد ذلك بالتدريس لمدة سبع سنوات، وتعد من أوائل من قدموا برنامج تدريس في الصحافة المدرسية. كانت من أشد المناصرات للقضية الفلسطينية، وانضمت في عام 1956 للجنة النسائية للمقاومة الشعبية. وكانت أول من أسست جمعية نسائية في قرية البراجيل.
نشأت وداد متري في منطقة شبرا، في أسرة من الطبقة المتوسطة تكونت من والدها الذي كان مهندساً للمباني، ووالدتها برلنت عوض التي كانت متعلمة ومثقفة وشاعرة أيضاً، وشقيقتين. ونظراً لانشغال والدها الدائم وسفره المتكرر، اعتمد عليها والدها وحمّلها مسئولية المنزل منذ الصغر، وكان يقول لها: “أنتي الراجل بتاع الأسرة”، فنشأت ولديها هذا الإحساس الدائم بالمسئولية والذي استمر معها حتى النهاية.
بدأت رحلتها مع التعليم بالالتحاق بمدرسة “الأمريكان” المختلطة في المرحلة الابتدائية، ثم بمدرسة “النهضة” بشبرا، وهي مدرسة أهلية غير حكومية، درس فيها أيضاً في قسم البنين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. حصلت وداد على شهادة التوجيهية من القسم العلمي، وكانت رغبتها هي دخول كلية الطب، لكن لم يؤهلها مجموعها لدخول الطب. اختارت دراسة الفلسفة التي أحبتها بسبب أحد مدرسيها، وهو الأستاذ “إسحاق حنا”، والذي عمل فيما بعد في الإذاعة المصرية. حصلت بعد تخرجها على دبلوم من معهد الصحافة، كما تم تعيينها مدرسة في إحدى مدارس صعيد مصر بديروط، وذلك رغم عدم تقدمها بطلب للالتحاق بهذه الوظيفة. وكانت رغبتها الحقيقية هي العمل بالإذاعة، لكنها وافقت على العمل كمدرسة حتى تحين لها فرصة العمل بالإذاعة. عاشت سنة في الصعيد، رغم خوفها من الشعور بالغربة لصغر سنها، وكذلك عدم تشجيع أهلها لفكرة السفر. ولكنها سافرت، وكما تقول: “قضيت سنة من أجمل ما يمكن”. انتقلت بعد ذلك للعمل في شبين الكوم، والتي ظلت بها أربع سنوات من عام 1953 وحتى عام 1957، وكما تذكر: “قعدت أربع سنين في شبين الكوم دول كانوا من أجمل سنين حياتي”. أحبت وداد عملها بشدة، ورأت في مهنة التدريس فرصة حقيقية لتحقيق أحلامها، ودرّست مادتي الفلسفة وعلم النفس، ولكي يكتمل جدولها، درّست أيضاً مادة التربية القومية، وفي ذلك الوقت، درّست لتلميذتها شاهندة مقلد التي أصبحت صديقة عمرها فيما بعد. انشغلت في هذه المرحلة بالنشاط الثقافي والاجتماعي وإقامة العديد من الندوات. وتذكر وداد أن هذه المرحلة شهدت حدثين هامين، هما العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، وكذلك حصول المرأة على حق الانتخاب والترشح. وهما حدثان أثرا كثيراً في نشاطها الاجتماعي والخدمي، فكما تتذكر: “طبعا في العدوان كان فيه مهجرين وكل مدن القناة اتهجرت، فالبلد اللي أنا فيها جالها مهجرين كثير فإحنا بقينا نروح نلم تبرعات عشان المهجرين ونسكنهم ونعمل لهم إعاشة وبحوث اجتماعية عشان ندي كل أسرة على حسب احتياجاتها…. عملنا صور المدرسة ديه كانت جميلة وكثيرة وعلى البحر عملنا عزومة للمهجرين بتوع شبين جبناهم عزمناهم على الغداء عندنا وقضوا يوم معانا في المدرسة. وبقينا إحنا واقفين نخدمهم ونعملهم أكل وكانت حاجة جميلة جداً”. تتذكر أيضاً انتشار العمل التطوعي في هذه المرحلة، وذلك للإسعاف والتمريض تعاوناً مع جمعية الهلال الأحمر المصري. كما قامت القوات المعنوية في ذلك الوقت بتدريب المدرسات والطالبات على حمل السلاح، وقد حصلت على التدريب وتم امتحانها، وكان لديها شهادة بذلك، فكما تقول: “عملوا لنا امتحان كل حد يضرب 5 رصاصات، فأنا جبت 3 من 5 في الهدف اللي هما محددينه، قد كده كان في اهتمام. الفترة دي كانت فترة هايلة في تاريخ مصر، كان فيه حرية”. انشغلت بعد ذلك بتسجيل أسماء السيدات في جداول الانتخابات، وعاونتها طالباتها في ذلك، وخاصة شاهندة مقلد، وقمن بعمل مسح شامل للسيدات عن طريق زيارة كل شارع وكل منزل. وتذكر أن أكبر نسبة تسجيل جاءت في محافظة المنوفية.
تتذكر وداد متري أيضاً دعم مصر للجزائر أثناء الثورة الجزائرية التي قامت في عام 1954، وتتحدث عن نشاطها في المدارس مع طالباتها من خلال إقامة المؤتمرات والندوات، وإصدار مجلات الحائط والمطبوعات، وجمع التبرعات. حيث كانت عضوة في لجنة الجزائر في مجلس السلام العالمي إلى جانب جاكلين خوري؛ وقامتا بضم الفتيات إلى عمل اللجنة وإصدار المجلات. وقد تُوجت هذه الجهود بإقامة مظاهرة نسائية واسعة المدي من أجل إنقاذ جميلة بو حيرد، التي كان محكوم عليها بالإعدام. وقامت المظاهرة بقيادة سيزا نبراوي، ومشاركة إنجي أفلاطون، وراهبات، وطالبات المدارس، ومختلف الطوائف الشعبية.
عادت وداد في عام 1957 إلى القاهرة واشتغلت أيضاً مدرسة لمدة عامين في مدرسة “التوفيق القبطية”. ولكن ألقي القبض عليها في عام 1959، وظلت في السجن لمدة 5 أشهر بتهمة الانضمام للحركة الشيوعية، وبعد الافراج عنها، تم استبعادها من مهنة التدريس، ما تسبب لها في ألم شديد كما تقول: “فأبعدت عن التدريس ودي كانت قاسية قوي لأني كنت باحب التدريس وباحب البنات”. في البداية تم إيقافها عن العمل، وبعد ذلك تم نقلها لعمل إداري في منطقة شرق القاهرة التعليمية. لم تحب العمل الإداري الذي قامت به في ذلك الوقت وظلت تسعى بمعاونة زملائها للعمل في العلاقات العامة، والتي يوجد بها قسم للصحافة. وبالفعل، تمكنت من العمل فيها وقامت بإصدار مجلة الصفحة الواحدة، وقامت بتطويرها عن طريق القيام بزيارات عديدة لمدارس المنطقة التعليمية للحصول على أخبارها. واستمرت في هذا العمل وأحبته بشدة، ولكن، كما تذكر، تعرضت لمضايقات عديدة في نقابة المعلمين نظراً لتبنيها مطالب المعلمين، وتمتعها بشعبية عالية، واكتساحها الدائم في الانتخابات، فقد نجحت في السابق في انتخابات الاتحاد الاشتراكي وحازت على منصب الأمينة المساعدة. وعلى إثر هذه المضايقات تم فصلها من الاتحاد الاشتراكي، وهو ما تسبب في فصلها من النقابة نظراً لعدم إمكانية تقلد أي مفصول لموقع قيادي داخل النقابة. انخرطت وداد في الانتخابات مرة أخري، وفي تلك المرة تم فصلها من عملها، ولكنها نجحت في الانتخابات. ولكن كما تقول: “فطلع إن ده مش مطلوب أي حاجة تنجح جماهيرياً فتنهم تعبوني لغاية أما عييت فبدأت أحد من النشاط بتاعي وبالتدريج اعتزلت”.
تزوجت وداد متري في عام 1961 من الدكتور سعد لوقا، والذي التقت به في إحدى حفلات دار الأوبرا. واختارت وداد أن تسوي معاشها في السبعينات وهي في الخامسة والخمسين من عمرها، وانشغلت برعاية زوجها نظراً لمرضه. وبالرغم من ذلك، لم يتوقف نشاطها وانخراطها في الحياة العامة عن طريق الندوات والمؤتمرات والجمعيات. ولم يتوقف نضالها الذي بدأ بمقاومة الاحتلال واستمر من أجل حقوق المرأة والفلاحين وغيرهم حتى النهاية.
37498197(202)+
37497527(202)+
12 شارع سليمان أباظة، الدقي – الجيزة.