مروة قباري كامل من مواليد القاهرة وهي مهندسة زراعية بإحدى الهيئات التابعة لوزارة الزراعة، ورائدة أعمال مصرية في حرف وفنون الجلود. أسست مروة مشروع مشغولات جلدية يدوية حاز على جوائز الإبداع والتميز على مستوى جمهورية مصر العربية، من ضمنهم الجائزة الأولى في مسابقة “أنا مصر” للحرف اليدوية في عام 2018 عن حقيبة ظهر للسفر تجمع مكونات الحضارة المصرية من تصميم وإنتاج مروة، وجائزة “الصناعات الإبداعية” المقدمة من المجلس الأعلى للثقافة عام 2021 عن أول حقيبة سفر مصنوعة يدويا بالكامل من الجلد الطبيعي وتمثل تابوت توت عنخ آمون يحرسه أنوبيس على الجانبين. في هذه المقابلة، تتحدث مروة عن رحلتها مع الأعمال اليدوية والتحديات التي واجهتها وتجربتها في تأسيس مشروع تصميم وإنتاج مجموعة متنوعة من منتجات الجلد الطبيعي التي تعبر عن الثقافة المصرية.
بدأت مروة بالحديث عن شغفها بالأعمال اليدوية والذي صاحبها منذ الصغر، وكانت تجربة والدتها مصدر إلهامها الأول. فمنذ طفولتها تابعت مروة مداومة والدتها على الأشغال اليدوية في المنزل مثل الخياطة والتفصيل والتطريز والكروشيه، مما شجعها على تقليد والدتها والتعلم منها. عندما لاحظت الأم اعجاب مروة بالأشغال اليدوية، اهتمت بنقل مهاراتها التي هي أيضا اكتسبتها في الطفولة. كل ما تعلمته الأم نقلته بعناية للطفلة مروة، والتي وجدت عند دخولها المدرسة الابتدائية فرصة جديدة للتعلم في مناهج الاقتصاد المنزلي. عنت مدرسات الاقتصاد المنزلي بتدريب مروة على مختلف الأشغال اليدوية طوال فترة التعليم المدرسي. عند دخولها الجامعة واجهت مروة التحدي الأول لها، وهو نظرة المجتمع للعمل اليدوي والفني إنه غير ملائم للدراسة الجادة والذي صاحبه تفوقها الدراسي وبالتالي ضرورة التحاقها بإحدى كليات القمة، حيث أن دراستها للفنون كانت مسألة غير مطروحة للنقاش. درست مروة الهندسة الزراعية بجامعة عين شمس وتخرجت في عام 2009 بتفوق، مما أتاح لها فرصة للتعيين في هيئات وزارة الزراعة ضمن أوائل الخريجين، وتباشر عملها منذ 2012 بجانب ممارستها للأشغال اليدوية، والتي تطورت في تلك الفترة لتتضمن عمل حلى الاكسسوار من الفضة والنحاس والأحجار، بالإضافة إلى عمل الحقائب من القماش والكروشيه. امتدت العلاقة الوطيدة بين مروة والأعمال اليديوية حتى صادفت خامة جديدة وهي الجلود.
كان التحدي الثاني الذي واجهته مروة هو أن تتعلم كيفية استخدام تلك الخامة الجديدة في عمل الحقائب، فالتحقت مروة بدورة تدريبية لتعلم خياطة الجلود في أكاديمية لتعليم الحرف اليدوية، وكانت بمثابة خطوة أولى في طريق دفع شغفها لبداية جديدة. وفي نهاية عام 2016 أسست مروة مشروعها للمشغولات الجلدية اليدوية عن طريق صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ثم شاركت بمشروعها في معرض دولي للحرف اليدوية أقامته الأكاديمية. حققت مروة نجاح باهر في معرضها الأول وتمكنت من بيع كل مجموعة الحقائب التي شاركت بها، وبدأ مشروعها في استقبال طلبات للشراء عبر صفحتها. الإقبال على طلب المنتجات كان التحدي الأكبر لمروة حيث كانت في ذلك الوقت تعمل بمفردها في جميع مراحل الإنتاج من الإبداع والتنفيذ لشراء الخامات وتصميم وخياطة المشغولات، إلى الإدارة لاستقبال وتسليم طلبات العملاء والتسويق ومتابعة المعاملات المالية، لكن جاءت الأسرة لتكون مصدر الدعم ويد العون.
شددت مروة على دور أسرتها في استمرار نجاح المشروع، خاصة مساندة والدتها للمشروع منذ بدايته، ففي المراحل الأولى واجهت مروة معوقات مادية لعدم وجود رأس مال كاف سواء لشراء المعدات والأدوات اللازمة أو لدفع مرتبات لعمالة ثابتة. قدمت والدتها الدعم المادي لدفع المشروع للنور. مع نجاح المشروع وزيادة الإقبال على المنتجات، طلبت والدة مروة من ابنتها أن تُعلمها خياطة الجلود، وأن تكون أولى العاملات معها في الإنتاج. تشير مروة أن أسرتها كانت داعمة لها “وفي ضهرها” على الدوام. فبمساهمة والدتها نجحت مروة في تنمية المشروع وزيادة الإنتاج، ثم جاءت الأخت لتتولى مهمة الدعاية والتسويق بخبراتها العملية في مجال التصميم والجرافيك، وشارك أبناء وبنات الخالات والأصدقاء في الخياطة والمبيعات وإدارة التسويق الالكتروني بعد أن قامت مروة بتدريبهم.
تعقد مروة ورش تدريب لتعليم مهارات خياطة الجلود يشارك فيها رجال ونساء من مختلف محافظات مصر. لاحظت مروة اهتمام النساء المتزايد بالأعمال اليدوية وإقبالهن على الاشتراك في الدورات التدريبية، وأرجعت السبب أن المرأة المصرية خاصة المعيلة تبحث دائما عن فرص عمل مستقل يتوفر فيه إمكانية كسب المال من المنزل وزيادة الدخل. كما تشير مروة أن غالبية النساء اللاتي يقبلن على تعلم وممارسة الحرف اليدوية هن النساء غير العاملات في المجال العام و”ربات البيوت” واللائي نجحن في تحويل الأشغال اليدوية لمشروعات تجارية مربحة، حيث وجدن في الأعمال اليدوية بشكل عام ما وصفته مروة بأنه المتنفس لتحقيق الاستقلال المادي عن طريق عمل يدوي مستقل لا يشترط التفرغ الكامل.
وفي حديثها عن عملها كامرأة في المجال العام خاصة الهندسة الزراعية، فكانت مروة رائدة أيضا وبامتياز. فعند بداية عملها كانت المهندسة “البنت” الوحيدة فقط ضمن فريق عمل من الرجال، وتخصصت في مجال الرسم الهندسي والتصميم، واثبتت كفاءة في العمل الهندسي المكتبي. لكن برغم ذلك لم يتم إشراكها في العمل الهندسي الميداني، وذلك لأن العمل الميداني في وحدة نظم المعلومات الجغرافية حيث عملت مروة يتطلب المشي لمسافات طويلة على أرض غير ممهدة لعمل حصر مساحات في صعيد مصر. برغم تخوف مديرها وزملائها من صعوبة المهمة عليها وتعاملهم معها “كشيء قابل للكسر”، كسرت هي القاعدة وأصرت على المشاركة والسفر من القاهرة لصعيد مصر لتنفيذ المهمة. وقام مدير مروة بإقناع والدتها بدعم قرارها للسفر لعدة أيام من أجل إتمام العمل.
في الصعيد تعاملت مروة بشكل مباشر مع مجتمع وصفته بالاحترام والرقي لكنه لا يرى سبب لتعريض امرأة نفسها لمثل هذا العمل الشاق و”البهدلة.” مع إصرارها على إتمام العمل بنفسها مثل زميلها المشارك، رأي فيها أهل البلد وزملائها ومديرها كفاءة ودأب مما جعلها محل ثقة الجميع، وأسند لها تنفيذ مهمات متعددة خارج وداخل القاهرة. على مدار سنوات عملها في مجال الهندسة الزراعية وحتى آلان، مهدت مروة بمثابرتها وتفانيها في العمل دخول نساء أخريات المجال، وتبدلت الغرابة الشديدة لمشاركة امرأة في العمل الميداني الشاق بالقبول وتقدير الكفاءات، وحققت ريادة في العمل الهندسي شأنها شأن ريادتها في العمل الحرفي.
أما عن تأثير كونها امرأة على رحلتها في مجال الأشغال اليدوية، أوضحت مروة أن مجتمع موردي الخامات رغم احترامه الشديد لمجهودها، كان يتعامل مع وجودها كامرأة شابة بغرابة في بداية الأمر. لكنها تمكنت من تخطي هذا الحاجز وبناء علاقات جيدة مع موردي الخامات. أصبحت مروة قدوة ومصدر إلهام للنساء في مجال المشروعات اليدوية، وشاركت بخبراتها العديد من النساء والرجال عن كيفية الحصول على الخامات عالية الجودة، والوصول لفرص تدريب على تصميم المنتجات وإدارة الأعمال اليدوية، وعن تأسيس مشروعات تجارية في مجال الحرف اليدوية على منصات التواصل الاجتماعي.
37498197(202)+
37497527(202)+
12 شارع سليمان أباظة، الدقي – الجيزة.